السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب، أعرف فتاة منذ الطفولة قبل أكثر من عقد، وأشعر بمشاعر حب وإعجاب بها، لكن المشكلة هي أنها تكبرني ببضعة أشهر، حيث إنني -للأسف- ولدت في آخر السنة، وأيضا مشكلة أخرى هي أن المجتمع يحرص على أن تتزوج الفتاة بعمر 20-22 تقريبا، بينما يحتاج الشاب أن يكبر ويعمل ويبني بيتا، حيث يكون قد أصبح في سن الـ 27 تقريبا، وحينها يتزوج.
ومشكلة أخرى أيضا، وهي أن والدها من معارفي ومعارف أبي، وأظن أنها تنظر إلي كزميل دراسة فقط.
أحتاج استشارتكم في هذا الموضوع، ويشهد الله أني حاولت ترك هذه المشاعر، لاعتقادي بأنها كانت مجرد إعجاب طفولي وسرعان ما يتبخر، ولكني كنت مخطئا، كما أني في آخر سنة دراسية، وخطرت لي فكرة أن أتابعها على وسائل التواصل، ليتسنى لي فرصة إخبارها وطلب رأيها، كي أطلب يدها من أهلها، حيث إنني لن أراها بعد انتهاء الدراسة، وسيذهب كل منا في طريق لإكمال الدراسات العليا، ولكني أخشى أن أكون قد ارتكبت حراما بلا قصد إذا سألتها عن رأيها، وأيضا أخشى أن يسبقني أحد ممن يكبرني سنا فيخطبها.
أفيدوني، بارك الله فيكم، وأخبروني إن كان من الأفضل أن أصبر أم أتزوج؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة التقية البرة، وأن يكتب لك الخير معها، وأن يصرف عنك في الزواج البدايات المحرمة، فإنها لا تفضي إلى خير أبدا.
أخي: دعنا نبدأ بالإجابة عن سؤالين هامين طرحتهما في معرض حديثك، حين ذكرت أنك تريد متابعتها في وسائل التواصل حتى تعرف رأيها، ثم قلت:
- أخشى أن أكون قد ارتكبت حراما بلا قصد إذا سألتها عن رأيها.
- وأيضا أخشى أن يسبقني أحد ممن يكبرني سنا.
وهنا لا بد أن نؤكد على بعض الحقائق التي تريحك وتطمئنك:
أولا: أقدار الله ماضية، شاء من شاء وأبى من أبى، وهذه الفتاة إذا كانت في علم الله لغيرك؛ لن تكون لك ولو وصلت إلى عنان السماء، ولو كانت لك، لن تكون لغيرك ولو اجتمع أهل الأرض كلهم على ذلك، فقد كتب الله زوجتك قبل خلق السماوات والأرض، فاطمئن.
ثانيا: نعم، هذا التواصل معها محرم، ولا يجوز شرعا، ونحن نقول لك إن البيت الذي يؤسس على الشرع يكون بنيانه قويا، لا يتأثر بالهزات الاجتماعية كثيرا، ولكن الذي تكون قواعده محرمة، فإن هذا البنيان هش، فاحذر أن تربح ما أحل الله بما حرم الله.
ثالثا: والد الفتاة صديق والدك، ومثل هذا السلوك مفض ربما إلى قطع علاقات، فاحذر هذا التسرع الذي لن يترتب عليه أي تغيير في قدر الله، والذي هو في الأصل محرم -أي السلوك-.
رابعا: هناك قاعدة في الزواج احفظها -أخي الكريم-: ليس كل فتاة صالحة في نفسها بالضرورة تكون صالحة لك زوجة، والله يعلم ما لا نعلم، فلا تعلق آمالا على الغيب، ولا تظن أن الخير بوجود بعض البنات الصالحات سينقطع في هذه الأمة، بل الخير موجود ولن ينقطع فاطمئن.
خامسا: من أخطر المشاكل التي يقع فيها بعض الشباب أن يزين البيت قبل أن يبنيه! العرب تقول: ثبت العرش ثم انقش، وبعض الشباب يقلب الآية، ونحن الآن نريدك أن تثبت العرش أولا: فأجب على السؤال التالي: أنت طالب ولا زال أمامك وقت للزواج، والعقل يقتضي أن تنتهي من واجباتك، ثم تنتهي من تجهيز عرسك قبل أن تفكر في الزواج، فهل أنت -أخي- الآن قادر على تحمل نفقات الزواج؟
إن كنت قادرا فتقدم رسميا للفتاة، وإن كنا نرجو أن يكون بينك وبين زوجتك على الأقل خمس سنوات؛ لأسباب كثيرة ليس المجال هنا لذكرها، تقدم إليها ما دمت قادرا عن طريق البوح لوالدتك أو والدك، بعد أن تستخير الله تعالى.
أما إن كنت غير قادر، وأمامك ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام -وهذا هو الحد الأدنى-، فإننا لا ننصحك بالتفكير في الفتاة، ولا بشغل نفسك بها، وثق أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
سادسا: اعلم أن مدارك الإنسان بعد الخامسة والعشرين تتغير، فما قد يراه مناسبا قبل ذلك يتغير، وأولوياته في الزواج تتبدل، وكثير من الشباب وضع عينه في الصغر على فتاة، وتجاوز حد الله وكلمها، وكانت الفتاة صالحة لكنها ساذجة، فانتظرت سنين طوالا، حتى إذا استعد راسلنا، بأنه اليوم غير مقتنع بها، وأنه يرى أنه يريد فتاة فيها كذا وكذا، ثم يقول: أنا إن تزوجتها ظلمت نفسي، وإن تركتها ظلمتها؛ لأنها ما انتظرت كل هذه الأعوام إلا لأجلي، ويظل هذا الشاب حائرا بين ظلمين لا محالة، وهو الذي أوقع نفسه في ذلك.
سابعا: قد تقول أنا لا أقدر على نسيانها، وقد جربت فلم أفلح، ونحن نقول لك: لقد جربت وأنت مقتنع بفكرة أخرى أن أحدا ما قد يسبقك إليها، وأنها الفرصة الوحيدة لك، وأنه ليس لك خيار الآن، لكن بعد أن علمت ما قد ذكرنا لك سيتغير الحال -إن شاء الله تعالى-.
ثامنا: حتما ستجد بعض المعاناة في الترك، لكنها ستكون أسهل إن اقتنعت أن الدين والعقل يمنعانك من ذلك، وأن خيار الزواج منها اليوم ليس هو الأفضل.
تاسعا: نود منك -أخي الكريم- ما يلي:
1- تقوية رابط التدين أكثر، والحرص على مرضاة الله -عز وجل- أكثر، والمحافظة على أذكارك أكثر.
2- شغل أوقاتك بما يصلحك، والابتعاد عن الفراغ، أو التفكير فيما لا يحل لك.
3- عدم تتبع الفتاة في أي وسيلة، ولا تعلق نفسك أكثر، واعلم أن الرجوع الآن أسهل، لكن متى ما اختلط الحرام بالحلال، وتحدثت معها من وراء أهلها، فإن العودة أصعب، فاحذر من ذلك.
4- أكثر من الدعاء أن يقضي الله لك الخير.
وإنا نسأل الله الكريم أن يصرف عنك شر كل ذي شر، والله الموفق.