السؤال
السلام عليكم.
أريد أن أعرف كيفية الظن بالله، هل أطمئن له لأنه رحيم بي وأرحم علي من أمي فأتأكد أنه لن يدخلني النار؟ أم أخشاه ولا أطمئن بأني سأدخل الجنة؟ فقد سمعت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (لو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا، لخفت أن أكون هو)، كيف به وهو عمر بن الخطاب، هذا بالنسبة لسوء الظن بالله.
وأيضا قد سألني أحد أصدقائي في يوم ما: هل أنت ضامن الجنة؟ فقلت له بتسرع: نعم؛ لأنني مسلم وأنا أثق في الله، فهل أنا مخطئ في قولي هذا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك –ولدنا الحبيب– في استشارات إسلام ويب.
نشكر لك تواصلك مع الموقع، كما نشكر لك حرصك على معرفة ما يقربك إلى الله ويباعدك من عقابه.
وحسن الظن بالله –أيها الحبيب– أمر مطلوب من الإنسان المسلم، فإن الله تعالى أهل لكل ظن جميل، فهو الذي أحسن إلينا في بطون الأرحام، وأوصل إلينا رزقه بيسر وسهولة وأمان، ثم تولى أمرنا ونحن ضعفاء لا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا، ثم هو يمدنا سبحانه وتعالى بنعمه الكثيرة بعدد أنفاسنا، لا نستطيع عدها فضلا عن أن نشكرها.
فهذا الرب الجميل المحسن الرحيم الرحمن يطلب منا أن نحسن الظن به سبحانه وتعالى، فنظن به الظن الجميل، نظن أنه رحيم، ودود، وفي المقابل نظن أنه سبحانه وتعالى قدير، وأنه يغضب ممن عصاه، وأنه يغار إذا انتهكت حرماته، وأنه سبحانه وتعالى بالمرصاد لكل أحد من العباد، لا يقدر أحد أن يفلت منه، وقد قال: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} [المائدة: 98].
فمعرفتنا وعلمنا بالله تعالى هي التي توجب علينا الظن به ظنا لائقا به سبحانه، ونصيحتنا لك: أن تقرأ وتسمع كثيرا عن أسماء الله، فإن الله عرفنا بنفسه في كتابه بأسمائه وصفاته، وبهذا ستصل إلى الظن الجميل بالله.
ومطلوب منك –أيها الحبيب– أن تكون في حياتك متوازنا، بين رجاء رحمة الله تعالى، والتطلع لفضله وثوابه ومغفرته ومعافاته. وفي المقابل كذلك: الخوف والرهبة من عدل الله سبحانه وتعالى لو عاقبك بذنوبك، وإذا جمعت بين الخوف والرجاء استقامت حياتك، فالخوف يحجزك عن فعل الذنوب والمعاصي، والطمع في ثواب الله تعالى ورجاء فضله يبعث نفسك على المزيد من العمل والتقرب إلى الله سبحانه.
فهذا هو المطلوب من الإنسان المؤمن في هذه الحياة، أن يكون متوازنا بين خوفه من الله، وبين طمعه في فضل الله تعالى ورحمته، وقد ذم الله تعالى من أمنوا مكر الله، فقال سبحانه وتعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف: 99].
فالمؤمن يعيش خائفا من الله، راجيا له راغبا راهبا، إن نظر إلى ذنوبه وعدل الله وشدة عقابه خشي ربه وخافه، وإن نظر إلى فضل الله تعالى العام بالخلق كلهم والخاص به هو، ونظر إلى عفو الله الشامل؛ رجا ربه وطمع في فضل ربه، إذا وفق لطاعة رجا من ربه أن يتم النعمة بقبولها، وخاف من ربه أن يردها بتقصيره في حق هذه الطاعة.
وإن ابتلي المؤمن بالمعصية يرجو من ربه قبول التوبة وأن يمحو ذنبه بهذه التوبة، ويخاف في الوقت نفسه بسبب ضعف التوبة والتفات للذنب أن يعاقب على هذا الذنب، وهكذا يجمع الإنسان المؤمن بين الخوف والرجاء، ويخشى على الإنسان المؤمن من خلقين رذيلين كما يقول العلماء:
- الأول: أن يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله.
- والثاني: أن يتجارى به الرجاء، ويزيد عنده الرجاء حتى يأمن من مكر الله وعقوبته. هذا تضييع لواجب الخوف والرجاء، فينبغي للإنسان المسلم أن يحذر منه.
فنصيحتنا لك –أيها الحبيب–: أن تطلب العلم الشرعي، وخصوصا أن تتفقه في أسماء الله تعالى ومعانيها الجليلة، فإن هذا سيزرع في قلبك حسن الظن بالله، ويعرفك بربك.
وأما قولك لمن سألك: (هل أنت ضامن الجنة) فأجبته بـ (نعم)، فهذا الجواب ينبئ عن حسن ظنك بالله، نعم، وثقتك في جوده وكرمه، ولكنه جواب غير صحيح، فإن دخول الجنة والنار أمر غيبي لا نعرفه، والأعمال بالخواتيم، والخاتمة مجهولة، فينبغي للإنسان أن يحسن ظنه بالله تعالى ويطمع في ثوابه نعم، ويطمع أن يكون من أهل الجنة، ولكنه لا يجزم إذا سئل عن ذلك، إنما يجيب بما يوحي بطمعه بفضل الله فيقول: (أرجو من الله ذلك، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلني من أهل الجنة)، ويقول كما قال الصالحون: {ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين}، ونحو ذلك من الكلام، فإنا لا نشهد لأحد معين بالجنة إلا من شهد له الله أو شهد له رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك نفعل بالنسبة للنار، لا نشهد لأحد أنه من أهل النار إلا من شهد له الله أو شهد له رسوله بذلك، ونقول: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.