السؤال
السلام عليكم.
أنا طالبة جامعية، عمري 21 عاما، منذ شهر تقريبا كنت أمر بحالة نفسية سيئة مصاحبة للقلق؛ بسبب رؤية عدة حالات من الشباب -ليسوا من عائلتي أو أصدقائي- أصيبوا بموت الفجأة، ولكني سريعة التأثر بما يحدث حولي، ونتيجة للقلق الذي لدي فقد كنت أشعر بدقات قلب سريعة، فذهبت إلى الطبيب، وعلمت بأن لدي ارتخاء بسيطا في الصمام الميترالي، وقد قال لي الأطباء بأن ذلك شيء بسيط جدا، وأن هناك العديد من الأشخاص المصابون به.
ولكن منذ أن علمت بذلك وأنا أشعر بأني سأموت، وبدأت تنتابني الأفكار السلبية بكثرة دون توقف، وصرت أشعر طول الوقت بالخوف، واليأس والقلق، كما وأصبحت أشعر بأن كل شيء سيئا، وأن الحياة قبيحة، وحزينة، وستظل هكذا حتى أموت بسبب هذه الحالة السيئة، وكل ما يدور في عقلي هو أنني مريضة، وأن مرضي سوف يتطور ويزداد حتى يقضي علي.
كما وأشعر بالذنب أيضا؛ لأن هذا الشك يزداد ويصل إلى الأمور الدينية، ولا أعرف هل أذهب للطبيب النفسي، أم للشيوخ؟ فقد كنت أعاني في السابق من وسواس الوضوء والصلاة لفترة ثم توقف -بفضل الله-.
ومن الأفكار التي تأتيني أيضا: أنني لا يجب أن أتوتر؛ لأن هذا يزيد من دقات القلب، وبالتالي يشعرني بأني محاطة بالخطر، وأن قلبي يمكن أن يتوقف في أي وقت؛ لأني شخص توتري في العادة.
منذ شهر شعرت بأني لا أستطيع أن أستمر في حياتي بشكل طبيعي، مع أن الأطباء أخبروني بأني مصابة بهذا المرض منذ صغري، وقبل أن أعرف كنت أعيش بشكل طبيعي، ولكن بعد معرفتي صرت أشعر بألم بسيط في الصدر والقلب.
أشعر بأنها مرحلة عميقة من الاكتئاب المستمر المميت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب..
نوبات المخاوف والقلق المصحوب بالهرع الذي حدث لك، وظهر في شكل تسارع في ضربات القلب، وشعور بالخوف، والشعور بأن الموت قد أوشك، وتكاثر الأفكار السلبية، والخوف، واليأس، كلها ظواهر معروفة تأتي تحت الاضطرابات الوجدانية.
وكثيرا ما تكون هذه الأعراض متداخلة مع وجود وساوس قهرية، وهذا الوضع والوصف ينطبق تماما على حالتك، وطبعا المسبب الأول هو -كما تفضلت- ما سمعته أو اطلعت عليه حول الموت المفاجئ، وموت الشباب، ومن ثم موضوع الارتخاء البسيط في الصمام الميترالي الذي لديك، وهذا طبعا يعد داعما لمشاعر الخوف؛ لأن الأمر أصبح يتمركز حول القلب ووظائفه، والناس طبعا تعتقد أن القلب هو مركز الحياة؛ لذا أصبحت في هذه الحالة من قلق المخاوف الوسواسي -كما نحب أن نسميه-، وهي ليست حالة مرضية، بل هي ظاهرة نفسية، وستعالج تماما -إن شاء الله-.
أولا: يجب أن تكون قناعاتك قوية جدا بأنه ليس لديك مرض فعلي، وحتى ارتخاء الصمام الميترالي -كما ذكر لك- يوجد عند عدد كبير جدا من الناس، ويعتبر حالة حميدة تماما، ولا يؤدي إلى أية أمراض في القلب، أو سكتات قلبية، أو إلى جلطات، أو شيء من هذا القبيل، فأرجو أن تطمئني تماما في هذا السياق.
وبقي عليك بعد ذلك أيضا أن تحقري فكرة القلق، وفكرة الخوف، وكذلك الوساوس، لا بد أن تتجاهليها تجاهلا تاما؛ لأن الخوض في نقاشها وتحليلها يؤدي إلى المزيد من الفزع، والمزيد من الوسوسة، وإلى المزيد من القلق والخوف.
ونحن دائما ندعو الناس لتجاهل أعراضهم، والتجاهل علاج أساسي جدا، وأيضا صرف الانتباه يكون من خلال:
أن أقوم بفعل، أو أفكر في شيء مخالف تماما للوضع الذي يعيشه الإنسان حين يكون تحت تأثير الخوف، فتذكري أشياء طيبة في حياتك، وتذكري أشياء جميلة، وضعي خارطة لإدارة وقتك، وانظري إلى المستقبل بصورة إيجابية، إذا يمكننا أن نصرف انتباهنا تماما عن الفكر السلبي، ونستبدله بفكر إيجابي.
الوساوس الفكرية -كما ذكرت لك- تكثر في مثل عمرك، وهي -إن شاء الله تعالى- عارضة، والوساوس الدينية كثيرة جدا في مجتمعنا؛ حيث إن المجتمع -والحمد لله- مجتمع متدين لدرجة كبيرة، والشعور الاكتئابي الذي تعانين منه هو شعور ثانوي، وليس لديك اكتئاب بيولوجي حقيقي، إنما هو نوع من عدم التكيف والتواؤم مع الوساوس، والمخاوف، والفزع، والهرع، والذي نتج عنه اكتئاب بسيط، أو ما أفضل أن أسميه بعسر المزاج من النوع الثانوي، وليس من النوع الأساسي.
طبعا ذهابك للطبيب النفسي سيكون ذا فائدة لا شك في ذلك؛ لأنك تحتاجين لأحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف، ومن أفضل الأدوية التي يمكنك أن تتناوليها:
عقار يسمى (استالبرام) هذا هو اسمه العلمي، واسمه التجاري (سيبرالكس)، وربما يوجد في بلادكم تحت مسمى تجاري آخر حسب الشركة المنتجة، وهو دواء رائع وسليم، وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، والدواء البديل له هو العقار الذي يعرف باسم (سيرترالين) هذا هو اسمه العلمي، واسمه التجاري (لسترال أو زوالفت) ويسمى في بلادكم أيضا (مودابيكس)، وأيا من هذين الدواءين سيكون له فائدة عظيمة جدا بالنسبة لك.
يمكنك أن تخطري أهلك، وأن تذهبي إلى الطبيب النفسي، وإن اقتنعت بالدواء فيمكن أن أصف لك تفاصيله في حالة أنك لا تريدين الذهاب إلى الطبيب النفسي.
السيبرالكس: جرعة البداية هي 5 مليجرام، أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على 10 مليجرام، تتناولينها باستمرار لمدة 10 أيام، بعد ذلك اجعلي الجرعة 10 مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم اجعليها 20 مليجراما يوميا لمدة شهرين، ثم خفضي الجرعة واجعليها 10 مليجرام يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 5 مليجرام يوميا لمدة أسبوعين، ثم 5 مليجرام يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء..، هو دواء طيب وفاعل، ودواء ممتاز جدا، وكما ذكرت لك بأنه غير إدماني.
التعديلات الحياتية الأخرى يجب أن تشمل تجنب السهر، وحسن إدارة الوقت، وطبعا أن تحرصي على الصلاة في وقتها، وأن تكوني إنسانة متفائلة دائما، والأمر لا يتطلب الذهاب إلى المشايخ، بل كل المطلوب منك هو الحرص على صلواتك والأذكار، وأن يكون لك ورد قرآني، والله خير حافظا.
أيضا يجب أن تكون لك أنشطة منزلية، كما أن المشاركات المنزلية، والسعي دائما لاستقرار الأسرة أيضا من الإضافات الطيبة المفيدة، وتمارين الاسترخاء تعتبر مهمة جدا لك، وهذا الألم في القفص الصدري، والذي ينتج من انقباض العضلات الناتج من التوتر يعالج تماما من خلال تطبيق تمارين الاسترخاء، وتمارين التنفس المتدرج -الشهيق والزفير- بقوة وببطء، مع حصر الهوء لفترة قصيرة ما بين الشهيق والزفير.
وطبعا العملية ليست عملية ميكانيكية جسدية فقط، إنما فيها الكثير من التأمل والتدبر، وهذا يمثل جانبا علاجيا كبيرا، وتوجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء، كما أنه في حال ذهابك إلى أخصائي نفسي فسوف يقوم بتدريبك على هذه التمارين.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.