السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل تعتبر المرأة ناشزا إذا رفضت التحدث مع زوجها، وطلبت الطلاق منه بسبب هجره لها، وزواجه من أخرى وتركها مع أطفالها؟ فزوجها يعيش مع الزوجة الثانية.
فهل طلب الطلاق في هذا الوضع يكون ضد الشريعة والدين؟ وهل يحق للزوج رفض الطلاق لأنها لا تستطيع إجراء معاملة الطلاق في الدولة التي تسكنها؛ بسبب عدم اعتراف الدولة بالزواج، ولأنه غير موثق في الدولة التي تسكنها الزوجة؟
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سماح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك –ابنتنا العزيزة– في استشارات إسلام ويب.
الزوجان أمرهما الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، فأمر الزوج بذلك صراحة فقال: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19]، وقال في شأن النساء: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228] فعليها أن تعاشر زوجها بالمعروف كما يجب عليه أن يفعل ذلك أيضا، وعلى المرأة أن تطيع زوجها، فـ (من أطاعت زوجها، وصلت فرضها، وصامت شهرها، دخلت جنة ربها) كما ورد بذلك الحديث.
والزوج إذا بدا له وظهر له أنه بحاجة إلى الزواج بأخرى فتزوج بأخرى فإن الواجب عليه أن يعدل بين زوجتيه، كما أمر الله تعالى بذلك، وليس له أبدا أن يمسك زوجته دون أن يؤدي إليها حقها، فالمعروف الذي أمر الله تعالى به في المعاشرة هو الإمساك مع أداء الحقوق أو التسريح بإحسان، كما شرع الله تعالى ذلك أيضا بقوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229].
ولا يجوز للمرأة أن تعترض على زوجها إذا تزوج بأخرى، مع قيامه بالعدل الذي أمر الله تعالى به، وحقها أن تطالبه بأن يعدل بينها وبين أختها، وأن يؤدي لكل واحدة حقها، فهذا من حقها، ولها أن تطالب به.
أما الطلاق فليس لها أن تطلب الطلاق إلا إذا تضررت بالبقاء مع زوجها في دينها، أو قصر وامتنع عن أداء حقوقها، فقد ثبت في الحديث الصحيح، في حديث زوجة ثابت بن قيس أنها كانت تكره البقاء معه، وتكره أن تقع في معصية الزوج، فجاءت تطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر زوجها بأن يطلقها، فأمرها -عليه الصلاة والسلام- بأن ترد عليه المهر، وأمر زوجها بأن يطلقها.
فإذا وصلت المرأة إلى هذا الحال وهو خوف التقصير في أداء حق الزوج وأن تقع في معصية الله، فإنه يجوز لها أن تطلب الطلاق، وهذا رأي جمهور العلماء وأكثرهم أنه لا يجوز لها أن تطلب الطلاق لغير مبرر شرعي.
وإذا جاز لها أن تطلب الطلاق فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي الشرعي في البلد الذي هي فيه، فإن لم يمكن ذلك بسبب إجراءات هذه الدولة وعدم اعترافها بالزواج، فلها أن ترفع أمرها إلى قاضي شرعي في بلد آخر، أو أن تتصالح مع زوجها وتحاول أن تؤثر عليه بوسائل التأثير بكل من له كلمة مسموعة عند زوجها، ولهما أن يحكما شخصا آخر ليفض النزاع بينهما، كما قال الله عز وجل: {فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} [النساء: 35].
أما ما ذكرت في سؤالك وهو: هل تعتبر المرأة ناشزا إذا رفضت التحدث مع زوجها وطلبت الطلاق منه بسبب هجره لها؟ فإذا كان هاجرا لها بالفعل ممتنعا من أداء حقوقها عليه فامتناعها من الكلام معه ورفضها أيضا لتمكين زوجها من حقوقه، ليس نشوزا ما دام الزوج ممتنعا من أداء الواجب عليه من النفقة والعدل في المبيت، والقرآن أوصى الزوجين بالإصلاح عندما يحدث خلاف بينهما ونشوز من أحد الزوجين، فقال سبحانه وتعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} [النساء: 128].
ففي جملة هذه الآداب والتعاليم الإسلامية ما يمكن أن يصلح هذه الحال بين الزوجين إذا هدأت النفوس وتراضوا بأن يتنازل كل واحد منهما عن بعض حقه على الآخر ليستمر الزواج، وتستمر الأسرة، ويحفظ الأبناء والبنات في ظل والديهما، وهذا خير من الفراق كما شهدت بذلك هذه الآية الكريمة.
نسأل الله تعالى أن يصلح حال هذين الزوجين المسؤول عنهما، وأن يديم الألفة والمحبة بينهما.