السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
((وإذا مرضت فهو يشفين)) [الشعراء:80].
من منطلق هذه الآية الكريمة أتوجه بعرض مشكلتي، وأدعو ربي أن يعينني في عرضها بشكل واضح، حتى تتمكن من مساعدتي.
دكتورنا الفاضل! يسر الله لك أمرك وحفظك حيثما كنت.
دكتورنا الفاضل! أعرض عليك مشكلتي لعلك تجد لي حلا، أو تساعدني في حلها، إن فعلت ذلك فلك الأجر الجزيل من رب العالمين، وإن لم تساعدني فلن أنسى معروفك في التخفيف من معاناتي بنصيحة تقدمها إلي، مع العلم أنني عجزت في الوصول إلي أي طبيب نفسي عبر الإيميل، وأتمنى أن تصل إليكم مشكلتي هذه المرة، لأنني بالفعل بحاجه ماسة إلى مساعدتكم لي في الخروج من أزمتي النفسية التي تكاد تفقدني عقلي.
دكتور! أعتقد بأنني في حاجة ماسة للعلاج النفسي، قد توافقي الرأي حينما تستمع لشكواي.
أنا فتاة في العشرين من عمري، أدرس في الجامعة العربية المفتوحة، أدخلني أهلي فيها بدون أخذ موافقتي بقسم الحاسب الآلي؛ حتى لا أسافر لمصر لإكمال تعليمي؛ لأنهم يخافون علي؛ لأنه -كما يزعمون- له مستقبل، أنا لا أنكر ذلك، لكن أنا درست (أدبي) فكيف أستطيع فهم هذا المجال الذي يعتمد على الإنجليزي الذي أكرهه، والرياضيات التي هربت منها في الثانوية، لكن لحقتني بالجامعة؟! لم أعد أستطيع المذاكرة؛ لأن عقلي مشغول بمشكلاتي التي تكومت فأصبحت كالجبل على صدري، لا أعلم بالضبط كيف أبدأ؟ لكني سأحاول قدر استطاعتي أن أركز على المعلومات التي تساعدك في تشخيص حالتي.
دكتورنا الفاضل! منذ أيام هزأني والدي وأنا عائدة من الجامعة؛ لأنني متكحلة (وضعت كحلا في عيني)، مع العلم بأننا في الجامعة بنات مع بعضنا لا نرى الرجال ولا يروننا، لكن هذا في نظره بأن من تفعل ذلك لم يربها أهلها وأنها (فاجرة)، وقال لي بأنه دعا علي؛ لأنني لا أسمع كلامه، وهددني بأخذ جوالي، وأن يخرجني من الجامعة، مع أنه هو من أدخلني إليها دون موافقتي، لأنني كنت أحلم بدراسة الطب النفسي، لكن هذا في نظرهم علم مجانين، المهم: تابع التهديد بأنه سيشدد علي، وسيحرمني من الخروج من المنزل، وأشتغل مثل الخدامة في البيت.
دكتور! أنا مخطوبة لإنسان أشعر بأني أحبه برغم بساطته، وأنه مازال يكون نفسه، لكن أكره أن أتزوجه وأرتبط به فيكتشف شخصيتي المحطمة بسبب نفسيتي التي لا أعلم ما علتها، فيندم على محبته لي وارتباطه بي، من فترة سابقة أيضا اشتريت ملابس جديدة بحكم أنني على وشك الزواج (بعد سنة من الآن)، ولما ذهبت لأريه ملابسي قال لي بالحرف الواحد: (المهم أنك تستحمين حتى لا توسخي الملابس)، وأنا وربي أهتم بنظافتي ولبسي، لكن لا أعلم ما هدفه من قول ذلك لي وعلى مسمع من الجميع: (إخواني وأخواتي وأمي)، وأنا -للأسف- أكبرهم أشعر بأنه يحتقرني أو بغرض أن يهزأ بي فحسب.
دكتور! أنا الآن وصلت إلى مرحلة أحس بأنني أكرهه هو وأمي، رغم كل ما فعلوه من أجلنا على حسب قولهم، لكن ماذا أفعل في عقلي؟ فهو يختزن جميع لحظات القسوة التي مارسها أهلي علي بالتحديد، على سبيل المثال لا الحصر:
* عندما اكتشف معي وجود دفتر شعر غزلي وأنا بالثانوية قام بتمزيقه وضربني أمام الجميع، وقال بأنني فاجرة سافلة، وكان يراقبني عندما أعود من مدرستي على أقدامي.
* أذكر في طفولتي أنني غبت ذات يوم من مدرستي الابتدائية (أولى)؛ لأنني قمت متأخرة من النوم، فخفت أن يعاقبني الأستاذ فذهبت لبيت عمتي حتى انتهاء موعد الدراسة، وعدت للبيت، لكن كان هناك أستاذ يدرسني صديق لأبي، فسأله عن غيابي فقال له بأنني ذهبت للمدرسة، فقال الأستاذ بأنني لم أحضر، فرجع إلى البيت وضربني بخرطوم الغسالة (عاج)، ما زلت أذكر ذلك اليوم الكئيب.
* مرة أعجبتني قصة عاطفية في الجريدة، فأخذتها وكتبتها في دفتري، لكن بتغيير الشخصيات، وكتبت اسمي كشخصية من الشخصيات، تخيل يا دكتور لما شاهدها والدي بالصدفة أخذني في غرفة أنا وهو وأخذ يسألني من يكون هذا الذي أحبه حتى يزوجني به (يستهزئ)! المهم: هددني إذا ما قلت ما اسمه سيذبحني بالسكينة وسيشرب من دمي، تخيل مدى الرعب الذي عشته وأنا في (2) ثانوي.
* أيضا مرة رأى بجهازي الكمبيوتر صور بنات صغيرات، ووجوه حريم عادية كان مكتوبا عليها أشعار، لأني أحب الشعر، ضربني بالحذاء -الله يعزك- أمام أمي وإخوتي، أبي لم يبخل علينا بالمال، لكن ما أسرع أن يرفع يده علينا ولسانه بالشتائم والتهديد، أمي إنسانة ليست على درجة من العلم لأنها تزوجت صغيرة، ولأن أمها ماتت وهم صغار، حتى أبي، أشعر بأن المثل القائل: (فاقد الشيء لا يعطيه) ينطبق عليهما معا، أي: على أمي وأبي، لأنهم أيضا كذلك قد حرموا من حنان الأم، لذلك لا يستطيعون أن يمنحونا الحنان، أتصدق بأنني أكره أن أقبل أبي أو أمي؟! مرة من المرات قصرت في شغل المنزل، فأخذت أمي تدعو علي وعلى أخواتي جميعا بالموت، وأن نخرج في خشبة واحدة (هذه واحدة من دعواتها القبيحة، أن نموت جميعا في يوم واحد!)، أتعلم ماذا كان عقابي؟! أن أقبل رأسها إجباريا.
بعض الأحيان أشعر بأنها كزوجة الأب من كراهة طبعها وعصبيتها، الله يهديها لتحسن معاملتها، المهم يا دكتور: ما أريده الآن هو أن أتخلص من كل ما علق بنفسيتي من شوائب، حتى أبدأ حياتي سعيدة، وأن أستطيع أن أكون أسرة خالية من الأمراض النفسية، وأن أمنحهم الحنان بدون أن أمن عليهم بذلك كما تفعل أمي وأبي إذا أخطانا أو قصرنا في حقهم.
منذ مدة اتصلت على أحد المراكز النفسية في الرياض، وأخذت العنوان، لكن ما أن سمعتني أمي أقول بأنني سأتعالج نفسيا حتى اشتغلت في الفلسفة التي تضر ولا تنفع: لو سمع خطيبك فلن يقترب من البيت مرة أخرى، يفسخ الخطوبة، الناس ستقول عنك: جننتي، وستظلين عانسا طول عمرك، يكفي دلع، بعد كل ما سردته عليك هل أستحق العلاج النفسي أم أنني أتدلع كما تقول أمي؟!
ما الحل من وجهة نظرك؟ نسيت أن أقول لك بأنني أستطيع التعبير بالكتابة أفضل بكثير من الكلام، وهذه واحدة من سلبياتي ومشكلاتي التي أتمنى أن أحلها قبل موعد زواجي، فكيف أنقذ نفسي من الجحيم الذي أعيش فيه؟
دكتورنا الفاضل! أرجوك أعني، فليس لي بعد الله من معين غيرك، لأنك بحكم تخصصك تفهم حالتي أكثر من أهلي الذين أعيش معهم، أرجوك لا أستطيع الكتابة أكثر من ذلك لأن دموعي بدأت تهجم علي، كل ما أرجوه منك أن تبذل جهدك في مساعدتي؛ لأنني أعتمد عليك بعد الله، فليس لي غيرك بعد الله أشكوا إليه حالتي، ولن يفهمني غيرك بحكم تخصصك الذي ما زلت أحلم بأن أتخصص فيه.
أسأل الله لك التوفيق في الدنيا والآخرة، وأن يحميك الله وأبناءك ومن يعز عليك من كل مكروه وسوء.
ابنتكم المعذبة/ هدى.