السؤال
أنا سيدة مطلقة من رجل غير مصري، كنت أعيش معه في بلده، وعندما طلقني عدت لأعمل في بلدي، وأعيل ثلاثة أولاد ذكور، مشكلتي هي أن ابني الأكبر ويبلغ من العمر 9 سنوات كثير الكذب بشكل مبالغ فيه، ويمكن أن يؤلف قصة مؤثرة وتتعاطف معه بشكل كبير، ولا يكون للقصة أي واقع، يكره الدراسة رغم أني وضعت لتدريسه أحسن المدرسين، وهو شقي بشكل كبير، ولا يسمع الكلام، ولا يخاف من أحد، لم أترك وسيلة لم أستعملها معه من كل الجهات، حتى أني أخذته إلى طبيب نفسي، وبعد عدة صور وأشعات قال لي: إن عنده شحنات زائدة، وهو ذكي جدا، يقول علي أحاديث وقصصا باطلة، (يخترع أهلا ويصورهم للناس أنهم وحوش).
والمشكلة كل هذا يكون إما بالمدرسة أو مع أصدقائه، أما في المنزل فينكر كل ما يصلني على لسانه، ويقول: إنهم جميعا كاذبون، لم أترك وسيلة بالترغيب والتهديد، بالملاطفة والاستعطاف، كثيرون نصحوني أن أرسله إلى أهله وأبيه، لكنه رفض، وأنا أيضا أعلم أنه وإخوته غير مرغوب بهم عند والدهم وأسرته، وأنه سوف يضيع لو أني أرسلته إلى والده.
ماذا أفعل أرشدوني.
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا شك أن الكذب هو واحد من اضطرابات المسلك لدى الأطفال، وهو من الأشياء المتعلمة والمكتسبة، وربما تكون بيئة هذا الطفل قد ساعدت في ذلك، وذلك مع احترامي الشديد لك ولأسرتك.
هذا الطفل لا شك أنه يحتاج لقدوة تنقله من أجواء الكذب الذي تطبع عليه إلى أجواء الصدق، ولابد أن يعرف أن في الصدق فضيلة، وأن الكذب رذيلة.
بالطبع ما دام هنالك فراق قد حصل بينك وبين والده، يعتبر هذا وضعا أسريا غير مثالي، ولكن بالتأكيد جهدك ومثابرتك سوف إن شاء الله تساعدك على تربية أولادك.
الشيء الذي أنصح به هو أن نجد قدوة لهذا الطفل، هذه القدوة قد تكون من الأصدقاء الذين هم في عمره، مع وجود شخص يكبره يكون موجها له، وأفضل أن يكون من الذكور، أتمنى أن يكون لك أحد الأقرباء أو أحد الإخوان الذي يمكنه أن يتولى مساعدة هذا الطفل، وذلك بأن يتحدث معه بلطف وذوق، ويشعره بأن الكذب شيء مذموم، دون أن يجرح شعوره أو دون يهاجمه المهاجمة الشديدة، ويمكن لهذا الأخ أن يأخذه إلى المسجد معه وإلى التجمعات الطيبة والمناسبات الأسرية.
إذن: العملية هي عملية تعلم، الكذب شيء متعلم، والشيء المتعلم يمكن أن يفقد تعلمه، ودائما في مثل هذه الحالات نحاول أن نبني الفضيلة لدى الطفل، هذا شيء مهم جدا.
وأرجو أن ألفت انتباهك أيها الأخت الفاضلة، على أن تتنبهي إلى مشاكل المسلك الأخرى حتى لا يقع فيها الطفل، مثل الذهاب مع أصدقاء السوء، وكذلك السرقات وخلافه.
دائما الكذب هو النواة الأولى للانحراف، أنا لا أريد أن أخلق إزعاجا أو مخاوف بالنسبة لك، ولكن لابد أن تتملكي الحقيقة، العلاج هو في أن يجد هذا الطفل قدوة، أرجو بالرغم من ظروفك أن تبحثي عن هذه القدوة، وأرجو دائما أن تشعريه من جانبك أنه هو الأكبر، وأنك في انتظاره حتى يساعدك في رعاية إخوانه.
أرجو أن تتحيني كل فرصة لتحفيزه وتشجيعه والثناء عليه، مهما كان لا يتمتع بسمات حسنة، أرجو أن تبحثي عنها مهما كانت صغيرة، وسوف تجدينها فيه؛ لأن تضخيم وتوسيع وتكبير الصفات الحميدة سوف يؤدي إلى انحسار الصفات الذميمة، أرجو أن تجتهدي في ذلك، وأسأل الله لك وله ولنا جميعا الستر.
لا أعرف الدور الذي يمكن أن يلعبه والده، ولكن إذا قام بزيارات لوالده من فترة إلى أخرى، ربما يكون ذلك أيضا مفيدا؛ لأنه يفقد الآن – كما قلت لك – القدوة ويفقد مظلة الأبوة، ومن الشيء الجميل أن يعرف من هو والده، وأن تشرحي له أسباب الفراق بينك وبين والده، وأن هذا أمر يقع وأمر مقدر وأمر مشروع، بمعنى آخر أرجو ألا تضعفي موقف والده أمامه، هو له حق، ولك حق، ولوالده حق، هذا من أصول التربية الطيبة، والتي إن شاء الله سوف تخلق شهامة وتقوية في شخصية هذا الطفل.
وبالله التوفيق.