كيفية التعامل مع الماضي المؤلم من قسوة الوالد وسوء معاملته

0 543

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
أشكر جزيل الشكر الأستاذ أحمد مجيد الهنداوي، جزاك الله عنا خير الجزاء وجعله في ميزان حسناتك.

أود أن أعطيك لمحة بسيطة عن حياتي: أنا الآن -ولله الحمد- متزوجة، وبعد معاناة، حياتي الآن مع زوجي تشهد الاستقرار، وقد كفلنا فتاة، منذ سنتين تقريبا كان زوجي قاسيا لأبعد الحدود، وبعد الاستعانة بالله ثم ببعض الرقاة الصالحين تمكنا من التغلب على السحر ولله الحمد.

حياتنا مستقرة، لا نغضب لأتفه الأسباب، وخاصة زوجي الذي كان لسبب بسيط يتطاول علي بالكلام، والسب، والضرب، وبالطبع لا يتفهمني! ودائما أحاول أن أذكره أن الصراحة والتفاهم أهم شيء في الحياة الزوجية.

لكن سبحان الله! كان يقسو علي كثيرا، لكن الآن الحمد لله، وأنا بدوري أصبحت أعامله وأكلمه بطريقة أحسن؛ لأنه غير معاملته السيئة لي.
أما عن طفولتي فكانت قاسية جدا جدا، قسوة الأب، ثم التفرقة في التعامل مع الأولاد، وكذلك حرماننا من أبسط حقوقنا في الدواء والكسوة بسبب عجز والدي؛ لأن عددنا كبير: 12 طفلا، فينا الكبير والصغير، والمصيبة الكبرى الحرمان العاطفي؛ لأنني مهما فعلت فلن أنسى ذلك الحرمان.

المهم: لقد أرسلت لكم رسالة، وأوضحت لكم قسوة والدي ومعاملته السيئة، وكنت أنتظر أن تواسوني، أو تبعثوا لي بكلمات تخفف عني، لكنكم ذكرتم أن أكثر الآباء يقعون في هذا الخطأ، وأن علي أن أسامحهم وأقف بجانبهم عند الكبر، لكن لم يقف بجانبي أحد، وبداخلي جرح عميق لم يمحه الزمن، إلى الآن لا ألوم أبي ولا أمي ولا الجميع؛ لأن الكل ربما يخطئ، لكن ألوم نفسي لأنني لا أستطيع التسامح، وخاصة من يجرحني بعمق، أو ربما لأنني لا أستطيع نسيان المر من ماضينا.

لكني تجاوزت كل هذا، لكن لم أنس بعد، ولا أكره أبي ولا أحبه، لكن لا أرضى له السوء أو لغيره، المهم أني أحاول أن أنسى الماضي، والذي في وقت مضى كاد يخنقني، أما الآن فالحمد لله، وهذه بعض من كتابتي.

هل هو انفجار، أم انتحار، أم مكافحة من أجل البقاء؟ حين تسترسل أفكاري بعيدا جدا وتجرني معها أهرول مسرعة باحثة عن العودة؛ كيلا يصدمني الواقع، وبكل قواي أرتب محتويات دفتري؛ كي لا أخلط بين الأوراق وأفقد التركيز في اكتشاف أسرار غامضة، صعبة الاحتواء، بالرغم من أن لدي تصورا أنني كتاب مفتوح.

غير أن جل حياتي غامضة، ودائما أشتاق أن أستيقظ يوما وأجد أني بلا قيود، ربما أستطيع مواجهة التعصب الذي بداخلي، ولا أجد تفسيرا ولا حتى الكلمات التي تعبر عما بداخلي.

والحقيقة الوحيدة أني في متاهات عظيمة، ولا فرار من الاعتراف بأني أصارع نفسي بنفسي، لكن هل يا ترى أصارع كي أنقذها؟! أو لكي أدمرها؟! وكثيرا ما أتساءل: ما أصارع أهي حقيقة أم خيال؟! وهل هو قدر ومكتوب أم هروب، وأجدني دائما في دائرة مفرغة، مللت الانتظار حتى أجد جمجمتي تنصهر فتذوب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ وردة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يبارك فيك، وأن يعينك على نسيان الذكريات الأليمة، وأن يملأ حياتك بالسعادة والسرور والرضا.

وبخصوص ما ورد برسالتك: فأحب أن أعبر لك بداية عن إعجابي بأسلوبك الرائع، وعباراتك المعبرة المتناسقة، خاصة تلك العبارات التي ختمت بها رسالتك، وكم أتمنى أن تنمي هذه الموهبة، وأن تعاني على استغلال ملكة الكتابة في كتابة شيء نافع مفيد، فما أحوجنا إلى الكتاب الحاذقين الذين يلتزمون بروح الإسلام ولا يجرون عكس قيمه ومفاهيمه، فحاولي الكتابة، وكرري المحاولة في أي مجال من مجالات الكتابة، لأنني أرى فيك مستقبلا واعدا في عالم الكتابة والقصة والأدب النظيف.

وأما عن مشكلة الماضي وقسوة الوالد كما ورد برسالتك؛ فإنه ومما لا شك فيه أنه يستحيل محو هذه الفترة من الذاكرة بحال من الأحوال؛ لأنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من مكوناتك الشخصية لا يمكن إغفاله، ولكن فقط يمكن التحكم في الآثار المترتبة عليه، وهذا ما يطالبنا به الشرع، وعلينا كذلك ألا نحبس أنفسنا في ظل ذكريات هذا الماضي المؤلم؛ لأنها حقا سوف تنسحب على حياتنا وتكسوها بالكآبة والحزن، وهذا ما لا يريده الإسلام وما يرفضه الواقع؛ لأنه سيجعل الإنسان محبطا يائسا محطما فاقدا لأي رغبة في الاستقرار أو العطاء والبذل، محجما عن أي مساهمة فعالة في إسعاد نفسه أو غيره، لذا أرى ضرورة مقاومة فكرة العودة إلى الذكريات المؤلمة والاجتهاد في ذلك.

وأما عن الميل القلبي والحب أو البغض؛ فكما لا يخفي عليك أن التعلق القلبي ليس بمقدور الإنسان أن يتحكم فيه، ولذلك لم يفرض علينا الشرع ضرورة محبة الوالدين، وإنما أمرنا بالمعاملة الحسنة؛ لأنها في مقدورنا، ويمكننا أن نقدمها حتى مع عدم الراحة، وهذا هو المطلوب منا جميعا: (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ))[المائدة:8].

أي: لا يحملكم الكره لشخص أن تظلموه، وهذا هو المنطق الحق، فالواجب علينا احترام الوالدين والإحسان إليهما والصبر على أذاهما والدعاء لهما، أما الحب فهذه مسألة غير داخلة في نطاق التكليف، ولذلك لن نحاسب عليها شرعا، وأعتقد أن ظروف الحياة وضغوطها قد تدفع الإنسان إلى فقد القدرة على كبح مشاعره أو التعبير عن الحسن منها، لذا أوصيك بالمعاشرة بالمعروف والدعاء للوالدين.

وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات