السؤال
كان لدي صديق، وكنت أتغافل عن أخطائه بحقي كثيرا، حيث كان يؤنسني، وكنت أحب منه ذلك، ولطالما سعيت في الصلح تجاهه وقت الجفاء منه، وكنت أكره منه لعب دور الضحية في كل الأحداث التي يمر بها، كنت في كل حين أقول يجب أن أحدد هذه العلاقة؛ أسلم لي ولنفسي وله.
علما بأني - يشهد الله - لم أقصر يوما في إكرامه وحسن معاشرته، ورفقته في تيسير أمورنا سويا. جاء يوم وحصل جفاء، ولكن هذه المرة مني بسبب طباعه الصعبة التي لم أعد أحتملها، ولما أرى فيه من صفات الشخصية السامية التي طالما تجاهلتها للأسف لحق العشرة، والتجاوز عن الزلات.
لقد انتظرته لكي يقبل علي هذه المرة، خاصة وأني كنت على سفر، لكني لم أشعر منه بالتقرب، كما كنت أفعل معه دائما حتى وإن كان مخطئا، وظللت على رأيي أنه هو من يجب عليه زيارتي حيث إني على سفر، بل على العكس من ذلك، مضى يحدث الناس بالشر عني، ويقول لهم عني ما ليس في، ولم يذكر لي فضلا عليه - والفضل كله لله - وقد جعل هذا في نفسي الكثير عليه، إلا أنني -بارك الله فيكم- أجد في نفسي أحيانا حرجا أني أكون قد مسست بمروءتي ومكارم الأخلاق عندما جفوته هذه المرة.
لا زلت أتذكر لحظاتنا الصافية، وأنه كان أنسا لي، ولا أحب أن تنتهي العلاقة بهذه الصورة، علما -بارك الله فيكم- أني أحاول قدر الإمكان أن أكسب رضا الله في غربتي، ولا أزكي نفسي، إلا أن هذا الموضوع يؤرقني، ولا أستطيع التحدث معه ومصارحته، لأني أعرف ما يترتب على ذلك من شماتة، ورد فعل مستفز جدا وإنكار.
أرشدوني، شكر الله لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Khaled حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في -أخي الكريم- في موقعك -إسلام ويب- ونسأل الله أن يبارك لك، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به. وبخصوص ما تفضلت عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
1- علاقة المسلم بأخيه المسلم قائمة على الود والتناصح، والأخذ بيده إلى ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمحرم هو المقاطعة، ولا تجوز فوق ثلاث ليال، لغير ضرورة شرعية، فقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان فيصد هذا، ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس؛ فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا؛ إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا).
معنى الهجرة كما قال ابن بطال: ترك الرجل كلام أخيه مع تلاقيهما واجتماعهما، وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه مصارمة له، وتركه السلام عليه، وذلك أن من حق المسلم على المسلم إذا تلاقيا أن يسلم كل واحد منهما على صاحبه، فإذا تركا ذلك بالمصارمة، فقد دخلا في ما حرم الله، واستحقا العقوبة، إن لم يعف الله عنهما.
2- هناك حالات يجوز فيها الهجر ولا يكون محرما، مثل: خوف حصول الضرر والأذى منه، أو الرجاء في كف أذاه بهذا التباعد.
قال ابن عبد البر في التمهيد: وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يخشى على نفسه مضرة في دينه، أو دنياه، فإن كان ذلك، فقد رخص له في مجانبته، وبعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية.
عليه -أخي- فإن أردت أن تبقى معه على العلاقة على الحد الأدنى فلا حرج عليك، وإذا رأيت أن اتصالك به الآن للاعتذار أو ما شابهه سيجلب عليك ضررا أكبر فلا حرج عليك، وإذا رأيت أن تتصل فقط للسلام، أو ترسل له رسالة للاطمئنان عليه دون ذكر لما كان، أو تطرق لما حدث منه؛ فهذا أيضا خير.
المهم أن تعلم أنك متى ما دفعت الشر المتوقع منه بترك صلته فلا حرج عليك، المهم أن تبقى العلاقة على الحد الذي لا يضرك.
نسأل الله أن يبارك في عمرك، والله الموفق.