السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو أن تدعوا لي بالهداية، فأنا أحاول دائما بر أمي، لكن أحيانا أقصر في تعاملي معها وأندم، وطلبت منها أن ألبس النقاب، وقالت: لا تلبسيه لأنك لست ذات خلق جيد.
مؤخرا حصل موقف فيه تشاحن، بين بنت خالتي وأختي، فقمت بالدفاع عن أختي، وكانت خالتي موجودة، وعندما أوضحت المشكلة قالت لي خالتي: لا تكوني لئيمة في حديثك معي، وقمت أنا برفع صوتي عليهما لما تعالت أصواتهما.
أحيانا أقول ردودا ويقولون لي: ردودك ذات طابع سيء، ولكن في هذا الموقف الذي حدث ندمت، وشعرت أني أسيء إلى ديني بسوء خلقي؛ ولأني أقرأ القرآن، وأخاف أن يقولوا: إنها تقرأ القرآن وهي ذات خلق سيئ.
ماذا أفعل؟ فأنا تبت -لله الحمد-، ولن أعود، وسأحسن من أخلاقي، وما هي الطرق التي تساعد في نسيان هذا الموقف؟ وقد قالت أمي لي: أنت تريدين لبس النقاب ولست ذات خلق جيد، فعلى أي أساس ألبسه؟
ثانيا: أبناء خالتي التي حصل لي موقف معهم، دائما يقولون: إنهم أحسن خلقا وأنهم ليسوا لئاما، ولا يسيئون في كلامهم مع الكبير، ودائما أهلي يقارنونني بهم، لدرجة أني أشعر أني أغار منهم، ولا أحب هذا الشعور، فماذا افعل؟ أمي تقول دائما: كم من المرات أقول لكم أحسنوا في حديثكم مع الكبار، ولكنكم لا تسمعون كلامي.
لم يكن هذا التصرف مني عمدا، بل كان عن غير قصد، هذه الأفعال تكون منا مع خالتنا، وأما الآخرون فنجد أنفسنا نتعامل بإحسان وحسن خلق معهم -لله الحمد-، فكيف أحسن أخلاقي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك حسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدينا وإياك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك سيئ الأخلاق والأعمال، فإنه لا يصرف سيئها إلا هو.
حقيقة سعدنا بهذا السؤال وبهذه الرغبة في الخير، والرغبة في الخير خير، ونبشرك بأن الإنسان يستطيع أن يصحح السلوكيات، ولذلك هذه من المعادلات المهمة التي تدعو للبشارة والفرح، وعلماء التربية من المسلمين اتفقوا على أن الإنسان يستطيع أن يغير أي سلوك لا يريد أن يمضي عليه، أو أي سلوك يرى أنه لا يرضي الله تبارك وتعالى.
لذلك قال علماء التربية: الأخلاق تتغير وتتحسن وتتبدل عند الإنسان، وعند الحيوان أيضا، ولو كانت الأخلاق لا تتغير لبطلت الوصايا، والمواعظ، والتأديبات، بل كيف ينكر هذا وتغيير خلق الحيوان البهيم ممكن، إذ أن البازي ينقل من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك عن التخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، فكل ذلك تغيير في الأخلاق، فإذا كان هو الشأن مع الحيوان البهيم، فأجدر بالإنسان أن يتغير خلقه، ويتبدل طبعه إلى حد الاعتدال، وذلك إن أخذ برياضة نفسه، وسياستها، وحملها على المكارم.
هذا الأمر تسنده أدلة الشرع والواقع، فأما أدلة الشرع فكثيرة جدا، فهي تحث على التحلي بالفضائل، والتخلي من الرذائل، ولو كان ذلك غير ممكن لما أمر به، قال تعالى: (قد أفلح من تزكى) (الأعلى:14) وقال سبحانه: (قد أفلح من زكاها) (الشمس:9) ففي هاتين الآيتين دليل على أن الأخلاق تتغير، وأن الطباع تتبدل؛ ذلك أن حسن الخلق من الفلاح، والفلاح ينال بالتزكية، وقال النبي (ﷺ): (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه).
إذا نحن نستطيع أن نحسن أخلاقنا بأن نتدرب أولا على هدي النبي (ﷺ)، وأن نتأسى بسلف الأمة الكرام، وبأن نعرف مكانة ومنزلة الخلق الجميل الذي يتخلق به الإنسان، أن نعلم أن هذه الأخلاق ترفع الإنسان درجات، ففي الحديث (إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)، و(المسلم يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم الذي لا يفتر من صلاة ولا يفطر من صيام).
إذا كان الأمر كما ذكرت، فنحن لا نرى أن هذا سوء خلق، ولكن من المهم أن ينتبه الإنسان عندما يتكلم مع من هو أكبر منه سنا، والمسلمة ينبغي أن تجعل كبير الناس أبا أو أما، وصغير الناس ابنا أو بنتا، والذي في سنها أخا أو أختا، فتحترم الكبير وتقدر من في سنها، وترحم الصغير.
أنت بهذا السؤال الرائع وضعت نفسك في الطريق الصحيح، والرغبة في أن تحسني أخلاقك، هذه من الأمور الأساسية، ولا تنزعجي من كلامهم، لأننا أحيانا نقسو على أبنائنا في مقابل الآخرين، لأننا نرى من أبنائنا ما ظهر وما بطن، ولأن أبناء الآخرين لا نرى منهم إلا السلوكيات التي يحبون أن نراها منهم، أما أبناءنا فنحن نعرف أخلاقهم الظاهرة والباطنة.
بالتالي معظم الناس ومعظم الآباء والأمهات، ربما يظلمون أبناءهم والبنات، لأنهم لم يشاهدوا الصورة كاملة، ويمدحون أبناء إخوانهم أو أبناء أخواتهم، أو أبناء الآخرين؛ لأنهم لم يروا إلا ما ظهر من أخلاقهم، ودائما الآخرون يحاولون إظهار أجمل ما عندهم وأحسن ما عندهم.
لذلك أرجو ألا تقفي طويلا أمام هذه المقارنات، فالمقارنات فيها ظلم وعدم إنصاف؛ لأن أي إنسان عنده إيجابيات وعنده سلبيات، ومن الذي ترضى سجاياه كلها؟ وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه.
فإذا من المهم جدا أن يحرص الإنسان على التغيير، وتحسين أخلاقه، والدفع في هذا الجانب، وننتبه لنصائح الناس، ولكن من المهم ألا تتأثري سلبا، وألا يتحول هذا إلى حالة نفسية، بل ينبغي ألا يزيدك هذا إلا إصرارا على الخير ورغبة في الخير، وسعدنا لأنك قلت هذا التصاعد في الصوت (وكذا) لما رفعوا أصواتهم، وكانت نتيجة انفعال، ومن الكمال أن يدافع الإنسان عن المظلوم، كيف لا وهذا المظلوم أخ أو أخت، فنسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يعيننا دائما على الاستفادة من ملاحظات الآخرين، أي ملاحظة نسمعها نستفيد منها، ولا نتأثر بآثارها السلبية.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونكرر الترحيب بك في الموقع، ونريد أن نقول: الأخلاق تحتاج إلى تدريب ومران، حتى الصبر يحتاج الإنسان إلى أن يتصبر حتى يرزقه الله الصبر، ونسأل الله أن يعينك على الخير، ونكرر الترحيب بك، وشكرا على هذا السؤال الرائع.