كيف نتعامل مع والدي وهو يسيء معاملتنا؟

0 0

السؤال

السلام عليكم.

أريد نصيحتكم في مشكلتي؛ لأني حقا وصلت لنقطة الصفر من التحمل والصبر.

والدي إنسان أناني وكثير الجدال في أشياء لا يفهمها إنسان، دائم الصراخ، ولا يفهم في الدين حتى 1%، يستغرب كثيرا، ويعلق إذا رآك كثير الصلاة أو القراءة في المصحف، ظالم، وإذا مرض يصبح كثير التمثيل ليحصل على الاهتمام، ولو على حساب صحتنا، ولو مرض أحد منا يقول: بأننا نمثل!

أتذكر مرات كثيرة مرضت ولم يأخذني للطبيب، ويجرحنا بالكلام، ولا يدافع عني ولا يحن، والمشكلة أني أصبحت أتشاجر معه، وأدعو الله كثيرا كي أتزوج، وأن أحسن الاختيار، أصلي النوافل، أقرأ سورة البقرة يوميا، أستغفر بالآلاف، ولم يتغير حالي ولو قليلا.

عمري 27 سنة، والهم يزيد كل يوم، وأصبحت مريضة نفسيا، أي ضغط أو مشكلة صغيرة أصاب بالرعشة في يدي، ولا أتحكم بها، ولدي مشكلة بالمعدة نتيجة القلق، لم أجد عملا، وأبي لا يسمح لي أن أبحث كما ينبغي.

أصبحت أدعو الله بأن أموت، فهل علي ذنب؟ أنا أعرف أن ما أدعو به لم يحن وقته، ولكني لم أعد أستطيع التحمل، خاصة وأني مرضت، أتمنى أن تدعوا لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يحفظك وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:

فنحن نتفهم الألم الذي تتحدثين عنه، وندرك أبعاده النفسية عليك، ولكن ما نخشاه ليس هو الألم الذي تعانين منه، ولكن تضخيم الشيطان لما تشعرين به، حتى أوصلك إلى الدعاء على نفسك بالموت؛ ولذلك قبل أن نتحدث عن ماهية المشكلة، لا بد أن نبين عدة أمور:

أولا: هذه الدنيا دار كدر وابتلاء، وليست دار نعيم وجزاء، والابتلاء مقصود، قال الله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ۚ وهو العزيز الغفور) (الملك:2) وعليه فما من أحد إلا وهو مبتلى لا محالة، وآفة المبتلين -أختنا- أن كل واحد يظن أن بلاءه أشد أنواع البلاء وأقساها، فهذه فتاة في مثل عمرك -تقريبا- ابتلاها الله بمرض في الكلى، تذهب ثلاثة أيام إلى المشفى من الصباح إلى المساء، لتخرج الأذى عن نفسها -أكرمك الله- وتظن أنها أكثر الناس بلاء، ونحن نقول لها: أنت في ابتلاء، ولكن هناك من هي مريضة بنفس مرضك وليس عندها مال للعلاج، فأيهم أشد؟ ثم هناك مريضة السرطان الذي لا علاج له، فأي ذلك أشد؟ وهناك، وهناك، وهناك، كلها آلام وابتلاءات أرادها الله، ليتبين الصادق من الكاذب.

ثانيا: أكثر الناس بلاء هم أهل الصلاح، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه".

ثالثا: المؤمن يعلم أن كل ما يقع له هو الخير، إن صبر وشكر، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له).

رابعا: عند البلاء لا يصلح إلا الرضا بالقضاء، وغيره هم وحزن وألم وغم، ولا يكون إلا ما قدر الله -عز وجل- وقد قال صلى الله عليه وسلم (عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ) وعليه فما أنت فيه من ابتلاء -أختنا الكريمة- دليل عافية، وتذكري أنه لولا مصائب الدنيا مع الاحتساب، لوردنا القيامة مفاليس، كما قال أحد السلف، وقد قال الشاعر قديما:
ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة *** وعسر ويسر ثم سقم وعافية

خامسا: أختنا الفاضلة: إذا آمنا بذلك ،علمنا أن البلاء الواقع عليك هو من تعامل والدك معك، وانتظارك الزواج الصحيح، مع كثرة الدعاء لله، أما التعامل السلبي من الوالد، فنحن لا نوافق عليه، ولا نوافق على أي سلوك تربوي خاطئ، ولكن لا بد أن نبين أن الله أمرك ببره، وطلب منك ذلك حتى لو قصر في حقك، بل حتى لو دعاك للكفر بالله، فأمرك الله بعدم طاعته مع الإحسان إليه، والمصاحبة بالمعروف، فعلاقتك بالوالد على ما ذكرت فيه، يجب أن تكون في إطارها الصحيح، ونحن ننصحك هنا بما يلي:

1- الاقتراب أكثر من الوالد وإظهار حبك له، وحرصك عليه؛ فإن ادعاءه أحيانا المرض ليطلب أو يرى حرصكم عليه، فيه دليل على أن هذه الجزء مفتقد عنده؛ لذا نود منك إحياء فطرته القاضية بحبه لك يقينا، وذلك بالاقتراب منه أكثر، والحديث إليه عن ما يحزنه، والاجتهاد في مساندته، وهذا فيه مرضاة لله أولا، وتحسين لعلاقتك به ثانيا، وسينعكس إيجابا على حياتك.

2- الاجتهاد في زيادة معدل التدين عند والدك، عن طريق الحديث معه، أو الحديث مع من يحبهم من المشايخ، أو عن طريق بعض من يحترمهم من أهله أو أصحابه، ومعرفة حقوق الأولاد عليه.

سادسا: أما الزواج فاطمئني، فمن قدره الله لك سيكون، وأنت في سن طبيعي، فلا تقلقي -إن شاء الله-، ونحن هنا نتحدث من واقع خبرة، وعن واقع نعيشه يوميا؛ فكثير من الأخوات وفي عمرك، بل وأكبر منك بكثير، يتحدثن معنا في هذه المشكلة، فاطمئني، ولو تابعت موقعنا لرأيت حالات مشابهة كثيرة لحالتك، والخلل -أختنا- ليس فيك، بل في عدة عوامل ليس المجال لذكرها، لكن منها: عزوف الشباب عن الزواج، الحالة الاقتصادية العامة للشباب، ضعف التواصل مع المجتمع، وأمور كثيرة مساعدة.

لذا ننصحك -أختنا- بما يلي:
1- الاطمئنان التام بأن من قدره الله لك لن يكون لغيرك، وأن قدومه في الوقت الذي حدده الله تعالى، وأن زوجك مكتوب باسمه من قبل أن يخلق الله السموات والأرض، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء " وهذا يبعث على الطمأنينة، والمؤمن يعلم أن قضاء الله هو الخير للعبد؛ فالله لا يقضي لعبده إلا ما يصلحه، وقد علمنا القرآن أن العبد قد يتمنى الشر يحسبه خيرا، وقد يريد الخير يحسبه شرا، فقال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة:216) وعليه فثقي أن الاختلاط بالرجال مع أنه محرم ولا يجوز، كذلك لا يعجل بزواج، فلا تضعي هذا الأمر أمام ناظريك.

2- ما مضى لا يمنع الأخذ بالأسباب، من أن تعرضي على من تودين من أهلك، أو من محارمك -الرجال أو النساء- أنهم متى ما رأوا الرجل المناسب أن يعرضوا عليه إن كان صاحب دين، وليعلموا أن هذا عز وكرامة، وعليك أن توسعي دائرة معارفك الاجتماعية، كل هذا -أختنا- في دائرة الأخذ بالأسباب، مع الاطمئنان تماما لقدر الله عز وجل.

3- الالتحاق بدور القرآن الكريم، لشغل الوقت بما ينفعك في الدارين، وفي هذه الدور من تبحث لابنها أو لأخيها امرأة صالحة -مثلك- وليكن همك الأول مرضاة الله سبحانه وتعالى.

4- الدعاء بأن يرزقك الله الزوج الصالح، واجعلي هذا في الثلث الأخير من الليل؛ فالدعاء فيه مستجاب.

كذلك ننصحك بالتالي:
1-الرقية الشرعية، وهي موجودة على موقعنا وبالصوت، وأفضل من يرقيك هو أنت -أختنا-.
2- قراءة سورة البقرة كل ليلة أو الاستماع إليها.
3- المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم.

بهذا أختنا تكونين متحصنة، وتكونين لله ذاكرة، نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك من يسعدك في الدنيا والآخرة، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات