السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ ولادتي وأمي تدعو علينا أنا وأخواتي لأتفه الأسباب؛ فهي تكره عائلة أبي، وتنسبنا لهم طول الوقت، وأظنها تكرهنا لهذا السبب، فهي تقول دائما: أنتم لا تمتون لي بصلة، أنتم أولاد أبيكم، أولاد كذا -اسم عائلتنا-.
المشكلة حدثت بسبب حوار دار بيننا؛ فقد كنت أخبرها بأني سأرسب؛ لأنني لم أدرس لاختباري، فقالت لي: لا تقلقي، وأنها ستدعو لي بالنجاح، فقلت لها من باب المزاح: لم آخذ بالأسباب -أي الدراسة-، فكيف سيستجيب ربي لدعائك؟ فغضبت بشدة، وقالت: تقصدين أن دعائي ليس مهما، وأن رضائي ليس مهما؟
ومنذ ذلك اليوم وهي تدعو علي، وترفض أن تدعو لي، بالرغم من أنني شرحت لها مقصدي، وأني لم أدرس للاختبار، وأن الأخذ بالأسباب من شروط استجابة الدعاء، لكنها ترفض اعتذاري وشرحي، وأني لا أؤمن بأهمية دعاء الأم وقوته، ولا أعلم ماذا أفعل كي أرضيها؟
هي تكره عائلتنا، وأنا أشعر أنها تكرهنا بسبب ذلك، وتنظر لنا بدونية، وتغضب، وتغار عندما أتكلم مع عماتي، أو أزورهم، بالرغم من أننا نعيش في بلد مختلف، ولا أراهم إلا نادرا، ولا أعلم عنهم إلا القليل.
شكرا لكم، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:
فلا شك أن أبر البر، وأعظم القربات طاعة الوالدين، ولا شك أن طاعة الأم أثبت، وأعظم، والعاقل من يتجنب المشاكل في مقابل الحظوة بمرضاة الله عليه بطاعة والدته، وأنت -أختنا الفاضلة- قد أخطأت عدة أخطاء، ونحن هنا بصدد سد الخلل، وإرشادك إلى الطريق الأقرب لمرضاة الله تعالى:
أولا: أنت اعتمدت منهج الإلزام، وهذا منهج فاسد، ونعني بالإلزام أن ترتبي حكما على أمر غير موجود، ولكنه مستنتج، فمثلا قولك أكثر من مرة في رسالتك الكريمة: (فهي تكره عائلة أبي .... وأظن أنها بسبب هذا هي تكرهنا)، النتيجة هذه من أين أتت؟ وكيف وصلت إلى قناعة بأنها ما دامت تكره عائلة أبيك فهي تكرهك؟
هذا الإلزام مفسد للحياة الاجتماعية، لا سيما إذا كان منهجا في الحياة، وخذيها مني نصيحة صادقة:
لن تجدي على ظهر الأرض أحدا يحبك، ويتمنى لك الخير ويريده مثل أمك -حفظها الله-، ويوما ما ستدركين هذه الحقيقة، لكننا نسأل الله أن تدركي ذلك قريبا.
ثانيا: ردك على والدتك في مسألة الدعاء لم يكن موفقا؛ فمع قناعتنا بأن الأسباب ملزمة، وأن الدعاء النافع هو بعد بذل السبب، إلا إن هذا لا يلغي فضل الدعاء، ولا أجره، وردك يوحي -دون قصد- ما فهمته والدتك، ولهذا يجب عليك التأكد من كلامك مع الوالدة؛ لأن ما يجرح الأم شيء عظيم.
ثالثا: واجب عليك صلة أهل والدك، ولكن صلتك بأمك أوجب، وقد ذكرت أنك لا تقابلينهم إلا مرات معدودة، وعليه: فلماذا تتحدثين عنهم في وجودها، وأنت تعلمين موقفها منهم؟ إن العقل يقضي بعدم الحديث، والعمل قدر المستطاع على رأب الصدع بينهم، أو على التقليل من حدة الخلاف.
وأخيرا: اطمئني، فإن دعاء الأم وإن دعت بلسانها على أولادها -بمثل ما ذكرت عن والدتك- لا يستجيبه الله تعالى؛ فمن رحمته تعالى أن لا يستجيب الدعاء على الأولاد إذا كان في وقت الغضب، والضجر، وذلك لقوله تعالى: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون} [يونس:11].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم؛ في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -الحالة هذه- لطفا، ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو لأولادهم بالخير، والبركة، والنماء".
لذلك نوصيك بأمك خيرا، واجتهدي في معالجة ما مر ذكره من تنبيهات، واحرصي على برك بها؛ فهي جنتك ونارك، والله الموفق.