السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد الطلاق من زوجي الذي تغير علي بسبب تأثره بكلام المحيطين به، خاصة أمه، التي تتمتع بطبع حاد ولسان سليط ولا تحبني، وقد صرحت بذلك ولوحت به في أقوالها وأفعالها، وكانت دائما تسبب لي المشاكل، وتوقع بيني وبين زوجي منذ بداية زواجنا.
زوجي هو الابن الوحيد بين ثلاث بنات، وأمه تغار عليه كثيرا، وترغب أن تكون هي وأخواته محور اهتمامه، وتخبره بكل تفاصيل حياتهم صغيرة أو كبيرة، وهو مقصر في الاهتمام بي نفسيا ومعنويا، ولا يقضي وقتا كافيا معي؛ لأن عقله مشغول دائما بأمه وأخواته، ويسهر لساعات متأخرة من الليل إلى قبيل الفجر معهن، ويتركني وحيدة، ومعظم الوقت الذي نقضيه معا لا يخلو منهن.
مع العلم أن لدينا الآن طفلة عمرها سنتان، وهو ليس زوجا سيئا، كما أنه لا يقصر في حقوقي المادية، مثل: المأكل أو ما يحتاجه البيت من مؤنة، وأحيانا يهتم بي ويقول لي كلاما طيبا، كما يعامل طفلتنا معاملة طيبة ويدللها، ولكني أشعر أحيانا بأن لديه شخصية أخرى، عند الغضب يسيء إلي ويسبني، وقد يسيء إلى أهلي، وأنا لا أقبل ذلك وأتضرر منه نفسيا.
الآن أصبحت الثقة بيننا منعدمة، وقل الحوار تماما، وأشعر أن ما يربطنا هو ابنتنا فقط، والذي زاد الأمر سوءا أنه قد حدثت بينه وبين أخي مشكلة كبيرة منذ فترة قصيرة، منعني بسببها من زيارة أهلي، وحلف علي أنني سأكون طالقا إن فعلت قبل أن يأخذ حقه من أخي بأي طريقة، إن أصررت على الطلاق هل أكون بذلك قد ظلمت ابنتي التي ليس لها ذنب في كل ما حدث؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نشكر لك إنصافك لزوجك وذكر ما فيه من الخصال الجميلة والأخلاق النبيلة، ومنها نبتدئ جوابنا لك -أيتها البنت الكريمة-، فإن هذه الصفات التي ذكرتيها في زوجك صفات تدعو إلى التمسك به، وعدم التفريط فيه، وحرصه على أن يقوم بحق أخواته أو يكرمهن أيضا مؤشر على وجود الخير في هذا الإنسان، وأنه من أهل الوفاء والبر، وإذا كان يتعامل بذلك مع أخواته فإنك إن استطعت أن تستميليه إليك وتملكي قلبه، سيكون أكثر وفاء وأعظم برا وإحسانا.
فنحن ندعوك أولا إلى نبذ هذه الفكرة، وهي فكرة طلب الطلاق، فضلا عن الإصرار عليه، فإن الشيطان يحاول أن يدفعك دفعا نحو هذا القرار؛ لأنه حريص كل الحرص على هدم البيوت وتشتيت الأسر وتفريقها، ولم نجد في كلامك ما يبرر لك طلب الطلاق، فإذا كان الزوج مؤديا للحقوق المادية، فما بقي بعد ذلك من المؤانسة لك، أو قضاء وقت أطول معك لا يبرر لك -إن هو أخفق فيه- طلب الطلاق، وأنت آثمة على ذلك عند جماهير العلماء، وستكونين بالفعل قد أسأت إلى ابنتك وضيعت حياتها المستقرة بين والديها، كما أنك أنت أيضا ربما تندمين وتتأسفين في وقت لا تفيد فيه الندامة، ولا ينفع فيه الأسف.
فنحن ندعوك إلى التمهل والتريث، والموازنة بين ما في زوجك من المحاسن، وما يأتيك منه من تقصير في بعض الأحيان أو إساءة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال في حق الزوج، قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر"، أي: لا يبغض الرجل المؤمن زوجته المؤمنة، وعليه أن يقارن بين سيئاتها وحسناتها؛ فسيجد كفة الحسنات هي الراجحة، وهذا يدعوه إلى حبها، العلماء يقولون: المرأة كذلك، ينبغي أن تقارن بين حسنات الزوج وسيئاته، وسيدعوها رجحان كفة الحسنات إلى حبه والاعتراف له بما فيه من فضل.
نحن نؤكد هذه الوصية مرة ثانية -أختنا العزيزة-، وأنه لا ينبغي لك أبدا أن تتعجلي بطلب الطلاق لمثل هذه المبررات الواهية التي تذكرينها، النافع لك هو أن تحاولي استمالة زوجك إليك بأنواع الأساليب التي تحقق هذا الغرض؛ بحسن التبعل والتجمل له، وبحسن العبارة، وإظهار الكلمات التي تعبر عن حبك له وتقديرك له.
كذلك ينبغي أن توصلي له رسالة أنك لا تعارضين قيامه بحقوق أمه ورعايته لأخواته، ولكن ينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه، ونحو ذلك من الكلام الذي سيجعله يلين ويدرك أنه بالفعل محتاج إلى أن يوازن بين هذه الحقوق، واحذري أن تجرك الغيرة؛ فإن طبيعة الزوجة أن تغار على زوجها إذا شاركها غيرها فيه، كما أن أمه أيضا تعيش في ظل هذه الغيرة بحسب ما فهمنا من كلامك.
فلا بد إذا من التعقل في الأمر، والموازنة بين المصالح والمفاسد، حتى لا تندمي على قرار تتعجلينه الآن.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يقدر لك الخير حيث كان.