السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنا فتاة أعاني من الاكتئاب منذ مدة طويلة، ولأسباب عائلية لم أستطع أن أصارح والدي بموضوع أني أحتاج لزيارة طبيب نفسي؛ لأنني أخشى أنه لن يتقبل الأمر، ووالدتي هي فقط من تعلم بما أعاني منه، لكنني أحاول الصمود دائما.
أحيانا يراودني الشعور بأنني إن أنهيت حياتي ستنتهي معاناتي، لكني أذكر نفسي دائما بأنني لا أريد أن أموت ميتة لا ترضي الله عز وجل.
لكنني مؤخرا صرت أشعر بأن قلبي أصبح ميتا، ولم أعد أستطيع الخشوع في الصلاة، ولم أعد أستطيع أن أدعو الله أو أطلب منه أي شيء؛ فكلما أردت الدعاء شعرت وكأن لساني قد ربط، مع شعور بالخجل بأنني أدعوه لأنني أعلم بأن إيماني بالإجابة ضعيف، وإن دعوت لا أدعو بقلبي؛ لأن صوتا بداخلي يخبرني بأنني لا أستحق الإجابة، ولا أستحق أي شيء جيد في هذه الدنيا، فأصبح الأمر يؤلمني حقا، لأنني أعلم بأن الله لن يرضى عني ما دمت لا أظن به خيرا، وهذا ما يزيد شعوري بالذنب، وأن الله لن يستجيب دعواتي؛ لأنها غير نابعة من القلب، ولن يتقبل صلاتي التي بدون خشوع، فماذا أفعل؟ وكيف أستطيع أن أتخلص من هذه الوساوس؟ وكيف أستطيع أن أعيد إيماني كما كان من قبل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميساء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:
رسالتك -أختنا- كتبت بألم، فتناثرت أسئلتك بين كلماتك، فالمسألة ليست اكتئابا، ولا طبيبا نفسيا مرادا، المشكلة فيك أنت، وتحديدا في علاقتك بالله عز وجل، وأما الاكتئاب فهو عرض عن هذا المرض، فإذا انتهى المرض زال بأمر الله.
أختنا الكريمة: دعينا نصحح لك أولا فهما مغلوطا كان السبب الرئيس في اضطرابك وقلقك، وهو قولك: (صوت بداخلي يخبرني أني لا أستحق الإجابة، ولا أستحق أي شيء جيد في هذه الدنيا) هذا -أختنا- أول الزلل، وأساس الاضطراب، والحق أن الله يحبك، ويريد لك الخير، فقد رزقك الله الإسلام؛ وهي من أجل النعم وأعظمها، وحبب إليك الطاعات، وبغض إليك ما يغضبه سبحانه، والدليل على ذلك قولك: ( لا أريد ان أموت ميتة لا ترضي الله عز وجل) وهذا من أوضح الأدلة على الخير بداخلك.
أختنا الكريمة: إن رحمة الله بالخلق عظيمة، رحمة تسع كل شيء، فأملي في الله خيرا، واقرئي هذا الحديث:
في صحيح البخاري ومسلم، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: قدم على رسول الله (ﷺ) بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله (ﷺ): أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟، قلنا: لا -والله- وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله (ﷺ): لله أرحم بعباده من هذه بولدها).
وقال: (ﷺ): جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه.
بل جاء في صحيح البخاري قال (ﷺ): لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه -فهو عنده فوق العرش-: إن رحمتي غلبت غضبي، وفي البخاري أيضا: إن رحمتي سبقت غضبي.
ورحمة الله تتجلى في كل شيء ومنها: تجاوزه عز وجل عن المذنبين إذا تابوا، قال الرحيم سبحانه: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} [الأنعام: 54].
وفي الحديث الصحيح: "أن شيخا كبيرا هرما، قد سقط حاجباه على عينيه، أتى النبي (ﷺ) وهو مدعم على عصا -أي: متكئ على عصا-، حتى قام بين يدي النبي (ﷺ) فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقتهم (لأهلكتهم)، أله من توبة؟ فقال (ﷺ): هل أسلمت؟، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: تفعل الخيرات، وتترك السيئات؛ فيجعلهن الله لك كلهن خيرات، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟! قال: نعم، وغدراتك وفجراتك، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار.
بل أخبر نبينا أن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله (ﷺ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة [متفق عليه].
وفي رواية لمسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح.
أختنا الفاضلة: إنك تحتاجين إلى ما يلي:
1- تصحيح المعتقد الخاطئ كما أسلفنا.
2- الابتعاد عن كل الافكار المحرمة، والتي منبتها الشيطان، كالانتحار وغيره، فإن هذا من تلبيس إبليس.
3- التدرج وعدم التعجل؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع، بأن تجعلي لك وردا ثابتا من القرآن ولو صفحة، وحافظي على النوافل ولو المؤكدات فقط، وأكثري من ذكر الله على كل حال.
4- الاجتهاد في الابتعاد عن المعاصي؛ لأنها تقسي القلب، وتباعد بينك وبين محبوبك.
5- الخلوة ولو قليلا مع الله، والحديث إليه حديث المحب لحبيبه.
6- الصحبة الصالحة: اجتهدي في التعرف على أخوات متدينات، صالحات ما أمكنك ذلك.
7- العلم الشرعي: اجتهدي في تعلم أمور دينك، وسوف تجدين على موقعنا آلاف المحاضرات والكتب المشروحة، يمكنك اختيار ما تريدين على ألا يكون ذلك على حساب مذاكرتك أو عملك.
8- أكثري من الاستغفار؛ فما وجدنا خيرا للقلب من كثرة الاستغفار.
ونحن إخوانك، راسلينا متى شئت -أختنا الكريمة-، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.