أخاف أن لا يقبل الله مني توبتي!

0 0

السؤال

كنت لا أصلي وأفعل الكثير من المنكرات، وكنت أسب الله عند الغضب والمزاح، الآن تبت إلى الله توبة نصوحا، وصرت ملتزما وأخاف الله، وتذوقت حلاوة الإيمان وراحة الصلاة والقرآن.

لم يدم ذلك طويلا للأسف، وأجاهد نفسي باستمرار، لكني أتذكر ذنوبي باستمرار، وذنب سب الله عز وجل، وأشعر أن الله لن يغفر لي.

دائما أقول إني مخلد في النار، وإن الله لن يغفر لي؛ لأن هذا ذنب عظيم من أكبر الكبائر؛ ولأني فعلت ذنوبا قبيحة لا يعلمها إلا الله، ولكني نادم عليها، عندما أقرأ القرآن وأقرأ عن عذاب الكافرين المخلدين في النار أخاف، وأشعر أني أنا المقصود، وأني كافر ومنافق، وهذه رسالة من الله أنه لن يغفر لي أبدا.

تأتيني مخاوف كثيرة من يوم القيامة وأهواله، ولا أدري كيف سأقف بين يدي الله وقد سببته وفعلت الكثير من الكبائر! أصبحت صلاتي بلا روح، وأشعر بضيق أثناء القيام بها، رغم ذلك أحافظ عليها في وقتها ولا أتكاسل عنها.

فطمئنوني، جزاكم الله خيرا؛ لأني خائف جدا من ذلك اليوم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

فاعلم أخي الكريم أن الله يغفر الذنوب كبيرها وصغيرها، إذا ما تاب العبد إلى ربه وأناب وأحسن الرجعة قال تعالى: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53].

قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر.

واقرأ معنا ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول بعض الآيات، فقد قال رضي الله عنه: إن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} [الفرقان: 68]، ونزل قوله: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: 53]؛ (رواه البخاري ومسلم) .

ولهذا الآية العظيمة فوائد كثيرة ذكرها أهل العلم منها:

1- أنه سبحانه سمى المذنب بالعبد، وهذا يعني أنه لم يطرد، وأنه أهل للرحمة.

2- أنه تعالى أضافهم إلى نفسه بياء الإضافة (عبادي).

3- أنه تعالى قال: {أسرفوا على أنفسهم} ومعناه: أن ضرر تلك الذنوب ما عاد إليه؛ بل هو عائد إليهم.

4- أنه قال: {لا تقنطوا من رحمة الله} نهاهم عن القنوط، فيكون هذا أمر بالرجاء، والكريم إذا أمر بالرجاء، فلا يليق به إلا الكرم، ولم يقل: (لا تقنطوا من رحمتي) لكنه قال: {لا تقنطوا من رحمة الله}؛ لأن قولنا الله أعظم أسماء الله وأجلها، فالرحمة المضافة إليه يجب أن تكون أعظم أنواع الرحمة والفضل، وكان من الممكن أن يقول: (إنه يغفر الذنوب جميعا)؛ ولكنه أعاد اسم الله؛ ليدل على المبالغة في الوعد بالرحمة، وقال: {إنه هو الغفور الرحيم} لفظ الغفور يفيد المبالغة في المغفرة، والرحمة تفيد فائدة زائدة على المغفرة، فـ(الغفور) إشارة إلى إزالة موجبات العقاب، و(الرحيم) إشارة إلى تحصيل موجبات الرحمة.

وعليه فاطمئن أخي تماما، فرحمة الله أعظم من ذنبك ومعفرة الله أقرب إليك من حبل الوريد.

ثانيا: اعلم أن للشيطان حيلا، ومن تلك الحيل تذكيرك بالذنب وإيهامك بأن الله لن يغفر لك، وأنه لن يسامحك، وله كذلك من وراء التذكير مآرب أخرى، هو أيضا يريد التفات قلبك إلى المعصية ليحن إلى الذنب.

ولذلك يجب أن تنسى ما قد كان بعد توبتك منه، وأن تتوقف عن مجرد التفكير فيه، قال ابن الجوزي: إنك إذا اشتبك ثوبك في مسمار رجعت إلى الخلف لتخلصه، وهذا مسمار الذنب قد علق في قلبك أفلا تنزعه... انزعه ولا تدعه بقلبك يغدو عليك الشيطان ويروح، اقلع الذنب من قلبك. اهـ

فإذا غلبك تذكر الذنب، فاجعله منطلقا لتصحيح وتجديد التوبة النصوح بالاستغفار والأعمال الصالحة.

ثالثا: إننا ننصحك أخي بما يلي:
1- أكثر من الصحبة الصالحة فإن المرء بإخوانه.

2- الزم المسجد وصلاة الجماعة، ولا تتغافل عنها أو تتكاسل فإن أحب العبادات إلى الله ما افترضه الله على العبد.

3- ابتعد عن أصحاب السوء وأهل المعاصي، فالصاحب ساحب يا أخي.

4- اهجر أماكن المعصية والمواطن التي عصيت الله فيها، والأصحاب الذين أعانوك أو شاهدوك، وأقروا فعالك.

5- القلب -أخي- لا يكون فارغا، فإذا لم تشغله بالطاعة شغلك بالمعصية، فاجتهد أن تجعل كل أوقاتك في طاعة أو ذكر أو عمل مباح مع ضرورة ممارسة الرياضة، فهي معينة لك على محاربة شهوتك.

6- اجعل لك وردا ولو بسيطا من القرآن، واجتهد أن تفهم ما تقرأ؛ فإنه أعون لك على الخشوع، ويمكنك اصطحاب أحد التفاسير المختصرة وأنت تقرأ، ونحن ننصحك بتفسير السعدي، فهو يسير ومبسط، كما ننصحك بالمحافظة على الأذكار؛ فإنها حصن حصين من الشيطان.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات