السؤال
السلام عليكم
حفظكم الله ورعاكم.
لدي مشكلة لا أعلم تفسيرها، وما إذا كنت مطرودا من رحمة الله، فأنا لي أكثر من أربع سنوات لم أصل ركعتين لله.
علما بأني أشعر بتأنيب الضمير، وأشعر بالغيرة عندما أرى شخصا وفقه الله لطاعته، فما هو تفسيركم لقصتي؟ هل أنا مطرود من رحمة الله تعالى؟ هل أنا كافر، وطبع على قلبي الكفر؟ هذه أسئلة تراودني، ومع ذلك أقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا زال لدي أمل أن يتداركني الله برحمته، لا أريد اليأس من رحمة الله.
جزاكم الله خيرا الجزاء، وتقبل الله صيامكم وأعمالكم، ووفقكم الله لما فيه خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mounir حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أخي الفاضل، مشاعر الندم والحسرة والرغبة في إصلاح النفس، هي أولى خطوات التغيير والتوبة -بعون الله-، يقول الله في كتابه العزيز: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الندم توبة)، فما دام أن في القلب شعورا بالذنب، ورغبة في العودة إلى الله، وإصلاح العلاقة معه، فلا شك أن هذا باب خير أراده الله لك، وليس بخذلان، ولا أنه طبع الله على قلبك.
لذلك -أخي الكريم- استغل رغبتك القلبية، وحبك لإصلاح نفسك، في تحويل هذه الرغبة من مجرد تمني وغيرة إلى مبادرة واجتهاد في إصلاح وتزكية النفس، فالله تعالى يقول: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولا يكون الخذلان والطبع على القلب إلا بالكفر والتكبر والفساد في الأرض، ونسيان العبد لله تعالى، وعدم الاكتراث بفعل الحرام والفواحش، والمجاهرة بها، يقول الله تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين).
ما نراه من حالتك -أخي الفاضل- هو أن كثرة المعاصي قيدتك عن التوبة، وعرف الشيطان مدخل الضعف فيك، فجعلك تعيش التمني دون سعي أو مبادرة للتوبة، فمن مكائد الشيطان أن يصرفك عن التوبة، ويقنطك من رحمة الله، لتنغمس في المعاصي، وتستمر في الشهوات، فيوهمك بعدم قبول توبتك، وأنك مطرود من رحمة الله، وطبع على قلبك، وكل هذا طمعا من الشيطان أن تصل إلى مرحلة اليأس والقنوط من رحمة الله، فيحرمك من التفكير بالتوبة والرجوع إلى الله، يقول تعالى: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون).
لذلك ننصحك -أخي الكريم- بأمور مهمة، لتخرج مما أنت فيه -بعون الله تعالى-:
أولا: بادر إلى التوبة دون تأخير أو تسويف أو شك، واجتهد في تحقيق شروطها الثلاثة: الندم على الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه، والإقلاع عن فعل الذنب تماما، فإذا حققت هذه الشروط مخلصا في ابتغاء وجه الله، تقبل الله توبتك وغفر ذنبك، وهذا باب تغلقه على الشيطان.
ثانيا: اخرج من البيئة التي أنت فيها، واحرص على أن تكون في بيئة تعينك على الخير، ابتعد عن أصدقاء السوء، واستبدلهم برفقة صالحة، فللبيئة دور كبير في تقوية العزيمة، والهمة في الطاعات.
ثالثا: ابتعد عن الوسائل التي تقربك من المعصية، مهما كانت تلك الوسائل، ففي مرحلة التوبة يبقى القلب ضعيفا ومتعلقا بالمعصية، ويحتاج أن تحرسه من العودة إليها بالابتعاد عن وسائل المعصية، وملازمة الطاعات.
رابعا: الإكثار من الدعاء على كل حال، والتضرع إلى الله تعالى بأن يقبلك ويثبتك على الخير، ومع الدعاء عليك بملازمة قراءة القرآن بتدبر، وذكر الله تعالى، والإكثار من فعل الصالحات والنوافل، فكل هذه الأعمال تقوي القلب، وتذهب ران المعصية المتراكم عليه منذ سنوات، فيقوى على مواجهة الشهوات، ويثبت على الخير -بعون الله تعالى-.
خامسا: بادر لنصح وتوجيه الآخرين، ودعوة غيرك للخير، فطلب العلم والدعوة إلى الله تشعرك بالإنجاز والعطاء، وكل هذا مما يثبت القلب على الخير.
أخي العزيز: لا تجعل للشيطان بابا يصل منه إلى قلبك، فمهما كانت الذنوب والمعاصي فباب التوبة مفتوح، وما عليك إلا أن تقبل على الله، وتجتهد بالاستغفار والدعاء، فالله يقبل توبة عباده ويغفر، بل ويفرح سبحانه بعودتهم إليه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده – يعني بالنهار – ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)
وفقك الله وأعانك على الخير، وشرح قلبك لطاعته.