السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكتب لكم وقلبي يعتصر حزنا، سؤالي عن تحمل عذاب الإساءة الوالدية، وتحديدا من الوالد.
والدي يتخذ منا نحن أولاده أعداء له منذ نعومة أظفارنا، ويعتبر أمي غريبة؛ لأنها من عائلة أخرى، فمنذ أن وعيت على الدنيا وهو يشتم والدتي ويشتمنا معها، ويشتم جدي وجدتي من طرف أمي بألفاظ نابية أمامنا، كان يضرب والدتي بقسوة، ويضرب إخوتي ويضربني في صغري، لقيت من الضرب ما لقيت حتى أن ضربه ترك آثاره على أجسادنا، وفي إحدى المرات (شعرت يد أخي من شدة الضرب) وكان عمره حينها 13 سنة، وقبل عدة أشهر قام والدي بحرماننا من الطعام والمصروف وجعلنا في حالة تقشف لمدة شهر كامل، وفي الوقت ذاته زادت زيارته لأقاربه وصار يخرج مع أصحابه.
نحن لا نخرج من البيت إلا نادرا، ومع ذلك يمنعنا من زيارة جدتي وجدي وأخوالي، علما أنه ليس لدينا أعمام أو عمات، وجدتي وجدي عن والدي متوفيان.
وأخيرا: والدي يصرخ بطريقة مرعبة ولا نجد سكينة أثناء وجوده في معظم الأوقات، حتى أن أخي الصغير وهو في سن الخامسة أصيب بالثعلبة في رأسه، وقال الطبيب: إنها أصابته بسبب الخوف، وأنا في رمضان الماضي ذعرت فأصابني القولون العصبي، والدي سليط اللسان ويسيء الظن في الناس.
ومن الجدير بالذكر أن والدي يصلي صلاوته الخمس، وعندما يقرأ القرآن يتأثر، ومن المعروف عنه بين الناس أنه صاحب دين، إلا أنه وهو في المنزل يكون مختلفا.
حاولت أنا ووالدتي مرات عديدة أن نوسط أقارب والدي مثل أبناء عمه، بأن يحلوا بعض المشاكل، إلا أنهم في كل مرة ينسحبون بعد أول جلسة أو ثانية، ويتململون من قصصه، فماذا أفعل؟ نفدت كل حلولي، ندعو الله دوما لكننا جميعنا تعبنا من هذا الحال.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aseel حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بكم في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى أن يكتب أجركم على صبركم، وهذا الذي تتعرضون له نوع من البلاء، فهذه الدنيا لا تخلو من الغصص والآلام، فهذه هي طبيعتها التي جبلها الله تعالى عليها، وهي ميدان للاختبار والامتحان للإنسان بما يكره، وتختلف مجالات الاختبارات للإنسان، فبعضهم يصاب من جهة ولده، وبعضهم من جهة والده، وبعضهم من قريب، وبعضهم من بعيد، وبعضهم في المال، وبعضهم في البدن، ولكنها هي الحياة مليئة بالغصص والمنغصات.
فالمؤمن يدرك تمام الإدراك أنه في مقام الامتحان والابتلاء، وأن يحرص على أن ينجح في هذا الابتلاء، وأن يخرج منه سليما معافى، محققا لما يريده الله تعالى منه.
وإذا كنتم قد ابتليتم بهذا الأب وما ذكرت عنه من أخطاء ومساوئ؛ فإن صبركم عليه هو نجاح في الاختبار، وأداؤكم لحقه، ومجاهدتكم لأنفسكم لتقوموا بما يجب عليكم هو نجاح آخر في هذا الاختبار، فكن على ثقة -أيها الحبيب- من أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأن كل ألم له نهاية يزول عندها، وأن الله تعالى يبتلي هذا الإنسان ليختبر صبره، ولكنه سيفرج عنه يوما ما.
بهذا كله ندعوك إلى أن تصبري نفسك، وأن تدعي أمك وإخوانك إلى هذا الصبر، وأن تذكريهم بفضيلة الاحتساب للأجر، وأن (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الناس على قدر دينهم) كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا صبرتم فإن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، ويوفي الصابرين أجرهم بغير حساب.
اصبروا واحتسبوا، مع محاولاتكم الإصلاح بقدر استطاعتكم، فحاولوا أن تؤثروا على هذا الأب، وما دام فيه شيء من الخير، كالمحافظة على الصلاة، والتأثر عند قراءة القرآن، فحاولوا أن تؤثروا عليه بهذه الأسباب، وهي من أعظم الأسباب تأثيرا؛ لأن الإيمان إذا صلح في القلب وقوي حجز صاحبه عن ارتكاب الحرام، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان قيد الفتك).
فحاولوا أن تسمعوا والدكم المواعظ التي تذكره بالله تعالى وبلقائه وبالجنة والنار، ويستحسن أن يكون إسماعه لهذه المواعظ بطريقة غير مباشرة، حتى لا تأخذه العزة بالإثم ويعاند ويستكبر، ويظن أن هذا الخطاب لا يصلح لمثله، فحاولوا أن تسمعوه هذه المواعظ بطريقة غير مباشرة، وأن تطلبوا من أصدقائه ومن يمكن أن يؤثر عليه أن يحسنوا إليه بالنصح والتذكير، كما في الحديث: (قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء).
وعليكم أن تدركوا -أيها الحبيب- أن له عليكم حقا عظيما، فإنه والد مهما أساء، وقد قال الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15]، فيجب عليكم أن تؤدوا حقوقه إليه من البر والإحسان بقدر استطاعتكم.
وأما الضرب والإيذاء البدني لكم بغير حق؛ فمن حقكم أن تدفعوا عن أنفسكم هذا الضرر بكل وسيلة ممكنة تتمكنون منها، كالاستعانة والاستنجاد بأصدقائه وبأقاربكم، ولو اضطررتم إلى دفع أذاه بالرجوع إلى القاضي الشرعي؛ فإن هذا جائز لكم. فافعلوا ما تقدرون عليه، مع محاولة الإحسان إليه.
نسأل الله تعالى أن ييسر لكم الخير.