حياتي منذ الصغر غير مستقرة، انصحوني ماذا أفعل؟

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حياتي منذ الصغر غير مستقرة، عانيت من طفولة سيئة، بيت فقير، وتربية خاطئة، وقد انعكس ذلك علي في فترة المراهقة وحتى شبابي، فأصبت بالاكتئاب الذي يلازمني حتى اليوم، بدأت العلاج النفسي منذ عام 2012 وحتى الآن، جربت الأدوية والجلسات، أتحسن لفترة ثم أعود للانتكاس، حتى قررت سحب الدواء تدريجيا، والاكتفاء بالتوكل على الله والقرب منه أكثر، فلا ملجأ إلا إليه وهو الشافي.

ولكني إنسان لدي مشاعر، تعبت كثيرا، منذ بضع سنوات لم يعد لدي أي صديق، لم أعد أثق في الناس، كل شيء أفعله مع نفسي، دائما أقاوم شعور الاكتئاب اللعين، ولا أحد يفهمني، حاولت السفر، ولكن لم يكن نصيبي؛ بسبب قلة الموارد المالية.

منذ فترة وأنا لدي رغبة شديدة في الموت، وليس في الانتحار، لأنه ذنب عظيم، ولكن لا أرغب في هذه الحياة نهائيا، أبكي أحيانا وحيدا حتى لا يرى أحد دموعي، أحتفظ بوجعي بيني وبين الخالق سبحانه وتعالى، فهو أدرى وأعلم به، حينما أصلي أدعو على نفسي بالموت، وأن يأخذني الله إليه، فبالتأكيد عنده أحسن وأريح بكثير من هذه الدنيا، لدرجة أني أعزو قلة حظي في كل شيء إلى السحر، أو شيء ما.

تعبت من طيبتي وحنيتي على الناس، ويظهرون أنهم ليسوا جيدين أو يخذلوني، وإذا اشتكى أحد من عصبيتي الزائدة أو حدتي، فهذا لم يأت من فراغ، بل جاء من تعب وكبت مشاعر، وخذلان ووجع.

لا أعرف ماذا أقول، لقد اختصرت بقدر الإمكان، ولكن التفاصيل كثيرة، ليس هناك شغف في الحياة، وحينما صبرت ما زال هناك عدم شغف، حتى من أبسط الأشياء، أنتظر الموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية.

اطلعت على رسالتك بكل تفاصيلها، وتفهمتها تماما -أخي الكريم-، الإشكالية الأساسية أنه قد هيمن عليك الفكر السلبي، فيما يتعلق بالتنشئة والتربية، ثم بعد ذلك ما واجهته في الحياة من مصاعب، هذا الفكر السلبي هو الذي أثر على صحتك المزاجية، على وجدانك، بمعنى أنك لا تعاني -من وجهة نظري- من اكتئاب أساسي، أو من اكتئاب وكان هو السبب في تشوه أفكارك، إنما تشوه الأفكار لديك هو الذي أدى إلى الشعور بالاكتئاب، وطبعا هذا الشعور بالاكتئاب يؤدي إلى المزيد من الفكر السلبي والمشاعر السلبية، وهكذا، هي نوع من الحلقة أو الدائرة المفرغة.

أيها الفاضل الكريم: لا تنظر لنفسك أبدا بمقياس الأمس، إنما انظر لنفسك بمقياس الآن، بمقياس اليوم، الإنسان يستطيع أن يغير حاضره، وقوة الحاضر أفضل كثيرا من ضعف الماضي، -الحمد لله- أنت طبيب، وإنسان مؤهل، أنت في بدايات سن الشباب، الله تعالى حباك بكثير من الطاقات والإمكانيات والمهارات، التي يجب أن تتدبرها وأن تتمعنها، وأن تأخذها كعوامل حماية لك في الحياة.

التشبث بالأمل الآن، هو العلاج الأساسي لك، لماذا؟ لأن الحاضر نستطيع أن نغيره، ونستطيع أن نتغير، لكن الماضي لا نستطيع أن نقوم بأي شيء حياله، قوة الحاضر هي الطاقة التي يجب أن تحركك نحو المستقبل، ويجب أن تبني فكرا جديدا عن الحياة وعن الموت، وكيف يكون الإنسان إيجابيا، ويكون مفيدا لنفسه ولغيره، فأنت محتاج تماما أن تشتغل على هذه المنظومة الفكرية.

في ذات الوقت لا تبتعد -أخي- عن علاجك النفسي، (ما جعل الله من داء إلا وجعل له دواء فتداووا عباد الله)، ليس هنالك ضرر في أن تتناول مثلا أحد محسنات المزاج، دواء واحد فقط بجرعة فاعلة، مع ترتيب المنهج الإيجابي في الحياة، على المستوى الفكري، وعلى مستوى الأفعال، وكذلك المشاعر، هذا -يا أخي- ليس كلاما نظريا، هذا كلام فعلي وعملي، يمكن للإنسان أن ينتهجه.

أخي الكريم: لا تدع على نفسك بالموت، ولا تتمن الموت، هذا لا يجوز، فقد نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فالحياة طيبة، وجميلة، وهي هبة الله تعالى، وهو المعطي وهو الآخذ.

يجب أن تحدد ركائز أساسية في حياتك، تدير من خلالها وقتك، أن تضع أهدافا، حتى وإن كانت هذه الأهداف بسيطة، والأهداف -يا أخي- تقسم إلى ثلاثة:
- هدف آني: وهذا يجب أن يحدد، وينفذ خلال 24 ساعة، مثلا: إذا أردت أن تزور صديقا هذا هدف عظيم جدا، تحقيقه سيعود عليك بمردود إيجابي، فقم به الآن، لا يحتاج لتأخير، وكذا إذا قررت -يا أخي- أن تزور مريضا، هذا هدف، وهدف نبيل جدا، تحقيقه سيعود عليك بخير كثير.

- ثم بعد ذلك تأتي لهدف متوسط المدى، وهو الذي يجب أن نحققه خلال ستة أشهر، إذا قررت -يا أخي- أن تحفظ مثلا جزءا من القرآن، لنقل إن المدة شهر، تضع البرنامج الذي يوصلك إلى هذا، هذا قطعا هدف، وهدف عظيم وهدف نبيل، وتحقيق الهدف الذي نعينه، سيجعلنا نحقق أهدافا كثيرة أخرى دون أن نشعر بذلك.

- ثم يأتي بعد ذلك الهدف على المستوى البعيد، مثلا: الزواج، التخصص، تطوير المهارات وهكذا، فإذا -أخي الكريم- اجعل لحياتك أهدافا ليكون لها معنى، وهذا هو الذي سيغير فكرك، ومشاعرك السلبية.

هذه الأشياء التي أود أن أنصحك بها، و-يا أخي الكريم- اسع دائما إلى أن تكون بارا بوالديك، بر الوالدين يزيل هذا الكرب الذي قد يأتي للإنسان، عليك بالصداقات الطيبة، الصداقات الفاعلة، وعليك بالصلاة على وقتها، والدعاء، وأن يكون لك ورد قرآني يومي، كذلك ممارسة الرياضة، ففيها تقوية للنفوس قبل أن تقوي الأجساد، أيضا يجب أن تعطي نفسك منها نصيبا، هذا هو الذي أود أن أنصحك به.

أشكرك كثيرا على الثقة في إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات