تبت إلى الله من المعاضي لكن الديون تراكمت علي فانصحوني!

0 8

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حياتي متوقفة بالكامل، وأعاني من العسر وعدم التوفيق، وكثرة الديون.

أنا شاب مغترب، أسرفت على نفسي في اتباع طريق الشهوات، وقمت بالزنا مرات كثيرة مع مختلف الفتيات، وكان العدد كبيرا، أسأل الله أن يغفر لي ولكل من أسرف على نفسه.

رغم هذا لم أعاقب إلا عندما أقسمت على توبتي، وبكيت بكاء لم أبكه في حياتي، ولكن بعد هذا القسم عدت إلى الزنا مرة أخرى، وأنا مغترب في دولة أوروبية، وأنا أعزب، وأشعر كأن الشيطان بداخلي، لا يجعلني أفكر إلا في الزنا، والله من علي بطيب خلق وحسن مظهر خارجي، وهذا سهل لي المعصية.

ولكن بعدما قمت بحنث قسمي مع الله تدمرت حياتي، ورسبت في الجامعة، وخسرت عملي، وخسرت أمورا كثيرة، والجميع بدأ ينظر لي نظرة استغراب عما حدث لي من فشل وتعطل.

عانيت سنتين كاملتين من الاكتئاب، وجربت جميع مضادات الاكتئاب، ولكن دون أي فائدة تذكر، إلى أن شفاني الله منه، ولكن تبقى الديون وعدم التوفيق، تراكمت علي الديون، كلما سددت دينا يظهر لي دين جديد، أن تكون مديونا في أوروبا فهذه مصيبة، لا يعلم بها إلا الله.

منذ سنة تبت إلى الله، ولم أجرب شيئا لم أفعله إلا فعلته، من أدعية وأذكار واستغفار وتسبيح بملايين المرات لأجل قضاء الدين، وعلى فترات متتابعة، وتصدقت، ورفضت طلب الزنا من إحداهن بفضل ربي، وصرت أبحث عن زوجة، ولكن الأمر صعب جدا كوني وحيدا.

مازلت مديونا ذليلا، ولا أعلم ماذا أفعل، ورددت جميع الأدعية لقضاء الدين والتوفيق، ولكن لا يوجد أي تفريج لكربي في قضية الديون والتوفيق، فهل من ذكر أردده أو فعل أفعله؟ علما أني حاولت الاستغفار، ودعوت دعوة ذي النون، ودعوت بكثير من الأدعية لكن لم يستجب لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يعفو عنك، وأن يغفر لك، وأن يسامحك على ما اقترفته من معاص وآثام.

لن نتحدث عن تلك المعاصي والآثام، ولا عن حزننا لما وقعت فيه؛ لأنك قد تبت أولا، ولأنك لم تنكر حرمتها، وعرفت مآلاتها، لذا ندعو الله أن يثبتك على الطاعة، وأن يبقيك على الاستقامة، ونسأله أن ييسر لك قضاء دينك، وأن يرزقك من حيث لا تحتسب، فهو غياث المستغيثين، ومأوى المضطرين، وكاشف كرب المكروبين، ما خاب عبد سأله وانطرح بين يديه، فالملجأ إليه، والتوكل عليه، وفي الحديث القدسي: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: ‌من ‌يدعوني ‌فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له [متفق عليه].

أخي الكريم: أنت شاب في ريعان الشباب، والله قد امتن عليك بالصحة والعافية التي افتقدها كثير ممن هو في مثل عمرك، وهي بلا شك أعظم نعمة بعد نعمة الهداية والإيمان، فأنت -أخي- تعمل وأنت بعافيتك حتى تسد دينك، ومن ثم تقوم ببناء حياتك الطبيعية، وغيرك (أخي) لا يقدر على العمل، بل يعمل أهله عنه لمرضه، ولا ينفق على مستقبل يطلبه، بل كل نفقاته على المرض الذي يعلم قطعا لا شفاء منه.

نقول ذلك لك - أخي الكريم - حتى لا يستولي عليك الشيطان فيوهمك أن مشاكلك لا نجاة لك منها، أو أنك لن تستطيع تجاوزها، أو أنك ستظل في تلك الدائرة المفرغة، كل هذا وهم، والله عز وجل معين من استعان به وأخذ بالأسباب.

أخي الكريم : قد جاءت بعض الأدعية النبوية في قضاء الدين منها ما رواه الترمذي في سننه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -: أن مكاتبا جاءه، فقال: إني قد عجزت عن مكاتبتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله (ﷺ)؟ لو كان عليك مثل جبل صير دينا أداه الله عنك، قال: قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، ‌وأغنني ‌بفضلك ‌عمن ‌سواك [رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، وصححه الحاكم، وحسنه الأرناؤوط والألباني].

وفي صحيح مسلم عن النبي (ﷺ) إذا أراد أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ويقول: اللهم رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش العظيم ربنا، ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم ‌أنت ‌الأول ‌فليس ‌قبلك ‌شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر.

وعن أنس قال: قال رسول الله (ﷺ) لمعاذ: ألا ‌أعلمك ‌دعاء ‌تدعو ‌به ‌لو ‌كان ‌عليك مثل جبل دينا لأدى الله عنك؟ قل يا معاذ، اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمان الدنيا والآخرة، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك [رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد، كما قال المنذري، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب].

وقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري، قال: دخل رسول الله -ﷺ- ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك ‌جالسا ‌في ‌المسجد ‌في ‌غير ‌وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله همي، وقضى عني ديني

فالزم -أخي- التدين، وعليك بالاستقامة، واتق الله فإن الله يقول: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب}، ويقول: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}، ويقول: {فاتقوا الله ما استطعتم}، ويقول: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.

وخذ بالأسباب -أخي- وتوكل على الله، فإن من يتوكل على الله فهو حسبه، وإن الله بالغ أمره، وأكثر من هذه الأدعية، واعلم أن الله سيعينك بالبركة فيما أخذت من مال، والإعانة على السداد، وستجد أن الله يفتح لك أبوابا ما كنت تظنها يوما، وستتبدد الغيوم تدريجيا - بإذن الله تعالى - لكن المهم الثبات على الطاعة مع الأخذ بالأسباب.

أخي الكريم: هذه الأدعية تعمل جيدا إذا ما كنت مقيما على الأسباب، متعلقا بالمسبب عز وجل، وعليه فيجب عليك مع الدعاء ما يلي:

1- جدولة الديون وتقسميها إلى ما يجب فورا، وما يمكن أن يتأجل.
2- البحث عن عمل مناسب لا يتعارض مع دراستك، والاجتهاد فيه حتى يكون المال حلالا مباركا.
3- استشارة بعض الأصحاب الصادقين المخلصين لك عن أفضل الطرق للجمع بين الدراسة والعمل، وتخير من بين هؤلاء أهل التدين.
4- أوقف أي نزيف مادي لك، واقتصر على الضرورات، وابتعد عن الكماليات.

الزم هذا - أخي الكريم - واثبت عليه، وستجد بعد فترة أنك تتقدم للأمام، وأن الدين بدأ يتقلص، وتلك هي البداية الصحيحة.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يغفر لك ويعفو عنك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات