السؤال
السلام عليكم
من الله علي بأن أدرس المتون العلمية، ولكني صرت أتضايق من التدريس بسبب الشكوك التي تنتابني أثناء التدريس، والتي تكمن في أن المعلومات خاطئة، والمستوى ضعيف.
أشعر بعدم الرضا عن الذات، مع أن الكل يثني علي خيرا، والحمد لله، هذا مع اضطراب في السلوك من غضب واكتئاب ووسواس شديد جدا.
فساعدوني في هذه القضية، والله يبارك فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإننا نحمد الله الكريم أن استعملك في أحب الأعمال وأفضلها، وهي: تدريس العلوم، وتعليم الناس، ولا يشك مسلم أن هذا من إرادة الله الخير للعبد كما في قوله تعالى: ﴿يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا﴾ [البقرة: 269]، وكما في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).
وقد أحسن من قال:
دين النبي محمد آثار *** نعم المطية للفتى الأخبار
لا ترغبن عن الحديث وأهله *** فالرأي ليل والحديث نهار
ثم هو دليل خير لك إلى الجنة -إن شاء الله تعالى- فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
كما أن التدريس فيه عالم ومتعلم، وهذا بمنزلة المجاهد في سبيل الله لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله).
كما لا يخفاك أن الله تعالى رفع قدر العلماء كما في قوله جل وعلا: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ [المجادلة: 11]، وقال سبحانه: ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ [الزمر: 9].
وأن ما خلفته من علم شاهد لك إن شاء الله تعالى كما في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، بل إن طلاب العلم وغيرهم يدعون للعلماء عند ذكرهم ويترحمون عليهم أكثر من أولادهم الذين هم من أصلابهم، وسبب جريان أعمال العلماء إلى يوم القيامة أن (الدال على الخير له مثل أجر فاعله)، كما في الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أخي الكريم: لماذا قدمنا بهذه المقدمة مع أن السؤال عن غيرها؟
لأننا أردنا أن نؤكد لك أن الشيطان لن يسلمك وهذا الخير العظيم، وحتما سيأتيك في صور متعددة ليثنيك عن الخير، أو يزهدك فيه، فانتبه لفخاخه -أكرمك الله تعالى-.
أما الجواب المباشر على سؤالك، فاعلم بارك الله فيك ما يلي:
1- أن بحر العلم عميق جذره، وأن العاقل هو من يحرص دائما على متابعة علومه ومراجعة منظوماته وشروحها، وهذا يتطلب التحضير الجيد قبل أي إلقاء، والبدء بعد الإتقان من الفرع الذي تود الشرح به من علامة التوفيق.
2- من كانت بدايته في التحصيل قائمة على الأصول، فإنه بإذن الله محفوظ، وقد نقل العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله- مقولات العلماء: "من لم يتقن الأصول حرم الوصول" و"من رام العلم جملة ذهب عنه جملة"، وعليه فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي، آخذا الطلب بالتدرج.
3- أن الخطأ وارد، ولا يجب أن يمنعنا الخطأ في إتمام المشوار، بل إن أكابر أهل العلم قد وردت عندهم مراجعات وبعضهم صوبه تلاميذه وأخذ بقولهم، وبعضهم قال في درسه من كنت أفتيته بكذا فأنا مخطئ، وهذا أخي لا يقلل من قدرهم بل يرفعهم عند الجميع، فلا تتهيب الخطأ أو الوقوع فيه، ولا تخشاه ما دمت لم تتقصده، واجعل وصية سيدنا عمر نبراسا لك حين قال لأبي موسى -رضي الله عنهما- (....ولا يمنعك قضاء قضيته أمس، فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل).
4- الغضب أو الضجر، أو القلق، أو الاكتئاب، كلها عوارض لا يخلو منها أحد، لكن لها أسبابها متى ما علمت السبب هان عليك مواجهته، لذا اجتهد في إزالة الأسباب على قدر طاقتك، واستحضر أجر ما أنت فيه من العمل، وجاهد نفسك وأنت سائر إلى الله، واحذر التوقف عن الخير ترشد وتوفق.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.