السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا متزوجة منذ 10 شهور، تزوجت بعد قصة حب استمرت 4 سنوات، خلال الخمسة أشهر الأولى من الخطوبة كان ممتازا، ثم أصبح عصبيا بشكل مبالغ فيه، فانفصلنا ثم عدنا وتزوجنا، لكن المشاكل عادت من جديد، فهو سليط اللسان، قليل الأدب، يصرخ ويمد يده، وحين ضربني لأول مرة اشتكيت لأهله ولم يردعه ذلك، وتكرر ضربه 6 مرات، وأدخلت أهلي كذلك.
آخر مرة تكرر ضربه منذ أسبوع، وأهله غير محترمين، ويهمهم كلام الناس كثيرا، أما زوجي فعند وقوع المشاكل يشوه صورتي ويكذب، مدعيا أنني قلت كذا وكذا، وبسبب ذلك كله أصبحت أنفر منه وأشعر بالكراهية، رغم أنه لا يزال يحبني ويقدم لي الكثير، تركته وذهبت عند أهلي منذ أسبوع، فلم يكلمني بتاتا، مع العلم أن أهلنا أقارب.
قال زوجي: لن أتكلم معها، ولا أريد إرجاعها، ويجب أن تعود بنفسها، ووالدي يقف بجانبي وقال: عليه أن يأتي مع عمومته.
سمعت كلاما جارحا من والدته، وأنا حائرة هل أعود إليه لو جاء مع أهله، أم لا؟ علما ليس لدينا أطفال؛ بسبب رفضي للإنجاب منه، نتيجة تصرفاته معي، ولأنه لا يتحكم بانفعالاته.
أهلي قالوا له: لن تعود ابنتنا حتى تحسن تصرفاتك وتتحكم بانفعالاتك، وأنا حائرة، ولا أبرئ نفسي وأقول أنني لم أخطئ، ولكن الأمور لا تستوجب الضرب، أو أن يقوم برمي التلفاز أو الهاتف علي، وكذلك كلامه البذيء، وكذبه أمام أهله، كل تلك الأمور أسقطته من عيني، فتصرفاته كسرت كل ما بيننا، فلا أستطيع العودة إليه، فما الحل فضلا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، وبعد:
بعد الزواج لا يجب الحديث عن الطلاق كحل أولي، بل هو بمثابة الكي، والكي آخر الدواء -أختنا الكريمة-، ولا بد أن نحذر من أن كثيرا من أخواتنا حين يواجهن مشكلة -أو مشكلات في الحياة الزوجية- تتوهم أن الطلاق هو الحل، فتتصرف بناء على ذلك، وهذا التفكير وحده -أي التفكير في الانفصال- يجلب اليأس من التغيير، وكلاهما معاول هدم يمنعان أي تقدم، ويقضيان على أي بارقة أمل، ولو كانت بسيطة؛ ولذلك فإن أول ما ندعوك إليه، هو طرح هذه الفكرة البائسة من رأسك -حفظك الله تعالى-، والتفكير من منطلق إيجابي، هذا التفكير في حد ذاته هو البداية الصحية والصحيحة للتغيير الإيجابي.
ثانيا: من خلال حديثك بدا لنا أن الزوج يحبك، ويحب أن يرضيك، وأن مشكلته الرئيسة هي العصبية المفضية إلى إطلاق اللسان واليد، وأنه يغضب بلا سبب، أو بسبب لا يستحق الغضب؛ فإن كان توصيفك دقيقا؛ فهذا عرض عن مرض، والمعنى أن الزوج قد يكون مريضا أو مصابا بأمر نفسي لازمه في صباه؛ مما أفقده الأمل أو الحب في السعادة، وإن كان التوصيف مبالغا فيه، فيجب عليك مراجعة حياتك كلها، وفق هذه القواعد للمريض النفسي.
فمن صفاته:
- الغضب بلا سبب، والرجوع بلا سبب، ولمدة طويلة.
- لا يحب مشاهدة السعادة في محيطه ولا في أصحابه.
- انعزالي وغير اجتماعي.
- لا يحب الحديث في أي مشاكل له رغم وجودها، ويتهرب من مواجهتها.
- ليس له أصدقاء دائمون، بل صداقاته كلها عابرة.
هذه الصفات متى ما توافرت في شخص، فإننا يمكن أن نقول إنه مريض، ويحتاج إلى زيارة طبيب نفسي، وإن كانت أقل من ذلك، فمعناها أن هناك خللا ما في البيت، أو شيئا مما لا يحبه أو أخطاء نفرته، وهذا كله يحتاج إلى الحديث معه والحوار، ويمكن الوصول إلى ذلك بطرق سنتحدث عنها، لكن وفق هذه القاعدة الهامة، وهي أن التغيير ممكن في كل شيء، وله ثلاثة أهداف:
1- الانتقال من السيئ إلى الحسن، وهذه أعلى المراتب.
2- تقليل العصبية، وهذه أوسطها.
3- عدم الانحدار في العصبية أكثر، وهذا أيضا نجاح.
وعلينا ونحن نبدأ مرحلة التغيير، بأن نضع النقطة الثالثة هي الهدف الأول، ثم نترقي بعد ذلك.
وهذه الوسائل تعينك على ذلك:
1- تعميق علاقته بالله -عز وجل-، فإذا أحب الإنسان ربه شعر بالأمن، وإذا شعر بالأمن تولدت لديه الرغبة في المزيد من العطاء، وانقشعت عنه بعض المخاوف التي تقلقه.
2- الاجتهاد في معرفة الأمور التي تدفعه للعصبية، أو إلى ردات الفعل العنيفة ومحاولة تجنبها، أما إذا حدثت العصبية منه بلا سبب، فلا تواجهيها بالاستفسار، ولا السؤال عن عصبيته؛ لأنه غالبا ليس عنده جواب، ولا يعرف هو نفسه الجواب؛ لذا عليك الركوب معه في نفس الاتجاه لتهدئته، فإذا غضب مثلا من المصاريف، مباشرة وجهي الكلام له: عندك حق، الأسعار مبالغ فيها، أشعر بك، هنا سيترك دفة الحديث لك، وسيكون مرتاحا وتهدأ نفسيته أو تقل عصبيته، ثم بعد أن يهدأ يمكن الحديث بصورة أكثر تفصيلا.
3- توسيع دائرة معارف الزوج -ما أمكن-، لتشمل بعض الصالحين من أهل التدين، فإن الصاحب -كما قالوا- ساحب.
4- زراعة الحوار في البيت، وغرسه بالإقناع، وسقيه بالود والحنان، هذا ما نريده اليوم أن يكون واقعا بينكما، وهذا بالطبع سيأخذ وقتا، لكن وفق قاعدتنا الأولى في التغيير: تجنب الانحدار أكثر، وإذا لم ننحدر فنحن في نجاح.
5- اجتهدي أن تتحدثي مع زوجك، وأن تبرزي له الأمور الإيجابية في حياته، وأن تمدحيه كثيرا، فإن الرجل أسير المدح، أن تكسبيه الثقة في نفسه، أن تشعريه أنه أفضل الناس وأحن الناس، ضخمي من إيجابياته، وتحدثي معه في المشتركات التي يحبها، والتي يحب الحديث عنها، المهم أن تبدئي -ولو دقائق- ثم نترقى.
6- من المهم كذلك أن تكون عندك نفسية متزنة وصلبة، ومرنة في آن واحد؛ لأنك حتما ستجدين صعوبات في التغيير، وهذا أمر طبيعي، وأهم ما يقوي نفسيتك أمران:
- احتساب الأجر، والتفكير في العاقبة.
- تعظيم حسنات زوجك وإيجابياته عندك، وإن قلت.
7- نريدك بعد فترة ما من التغيير، أن تذكري له أن الحياة الزوجية لا بد فيها من مراجعات، وحتى نتدارك الأخطاء ونبني على الإيجابيات، لا بد من المصارحة، قولي: أنا أريدك أن تذكر لي سلبياتي التي تجدها، لأحاول تغييرها، على أن تكتبها في ورقة لأحاول تغييرها، اتركي له فترة ليكتب تلك السلبيات، وعندما يكتبها ستكتشفين أن بعضها حقيقي، وبعضها مبالغ فيه، وبعضها غير موجود بالجملة، لا تعترضي على شيء، وأخبريه أنك ستضعين خطة لتغيير هذه الأخطاء.
لا تذكري له كتابة سلبياته إلا إذا طلب منك، ولا تتعجلي، سيطلب منك ولو متأخرا، لكن إن لم يطلب اعلمي أنه يراجع نفسه في ذلك، فإذا طلب منك حصر السلبيات، اكتبي في ورقة واحدة، على أن تكون ثلثها الأول إيجابيات، ووسطها السلبيات، والأخير منها حبك له وتقديرك لتعبه.
هذا هو الطريق الأطول، لكنه الآمن لك وله، فإن رأيت أن هذا بعيد المنال أو صعب التحقيق، وأن الحياة قد وصلت إلى محطة التوقف النهائي، فنرجو منك أن تتركي الملف بالكامل لأهلك، وبعض الصالحين العقلاء؛ ممن يعرف الزوج ويعرف أهلك، وما يقررونه بعد الحديث معك ومعه هو الخير لا محالة، المهم ألا يكون القرار من رأسك، حتى لا تندمي بعد حين، كما ندمت كثيرات من أخواتنا -حفظهن الله-.
وأخيرا: الحياة الزوجية لا بد أن تمر بتلك المصاعب، ولكن ما بينك وبين زوجك من مشاكل هي في دائرة الحل -إن شاء الله-، ويمكن تجاوزها بجهد متواصل -إن شاء الله تعالى-، فاحرصي على ذلك، مع كثرة الدعاء لله أن يصلحه وأن يهديه، إنه جواد كريم.
وفقك الله -أختنا-، وأصلح الله حالك وزوجك، والله الموفق.