السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ترك أبي النفقة علينا وعلى أمي دون سبب، فأصبحت هي من تنفق، وإذا سألناه يقول إنه لا يملك مالا، ثم شجعني ودفعني إلى الدراسة والعمل، فأصبحت أعين أمي على الإنفاق، ولم يعبأ يوما بزواجي، بل لم يتقدم لي سوى شخصان، ورفضتهما لأسباب تتعلق بعدم التوافق الثقافي والاجتماعي والديني، ثم اشتغلت أختي وأصبحت تعيننا على النفقة، وهو مع كل هذا لا يملك دخلا.
ومنذ أن تخلى عن وظيفته لم يبحث عن أخرى، رغم قدرته على الكسب، ثم اكتشفنا بعد 20 عاما أنه متزوج بأخرى وله أولاد، وكان يأخذ منا مالا من حين لآخر.
ولي أخوان: أخ كبير أنهى دراسته ويعمل أحيانا، وأحيانا أخرى لا يعمل، لكنه لا يعيننا في الإنفاق حين يعمل، وأخي الصغير يبلغ من العمر 30 عاما، دللته أمي كثيرا حتى أصبح لا يسمع كلام أحد.
والحمد لله هو بعيد عن الآفات، لكنه عاطل، ولا يريد أن يعمل، كما أنه يدخن، ويأخذ مني مالا لذلك، لكني منعته، وإلى جانب ذلك، فهو يرتكب مخالفات شرعية، فبدلا من الذهاب إلى حجام لعلاج عرق النسا -كما نصحته بعد أن ذهب للأطباء ولم ينفعه الدواء-، قصد شخصا يدعي أنه يعالج بالأعشاب، فأعطاه حلقة يعلقها في أذنه، ثم طلب منه أن يدفنها بعد مرور أيام في مقبرة منسية، ولم يصارحنا بهذا إلا بعد أن قام به، ولما ناقشته في الأمر، وأن هذا يبدو سحرا، قال إنه مستعد لفعل أي شيء ليشفى.
لقد سئمت هذه الحياة، وأحس نفسي كالعبدة في هذا البيت، أعمل خارج البيت وداخله، وأتلقى الإهانات والظلم فوق هذا.
عمري الآن 35 عاما، وأختي 33، وأخي الكبير 37، ولا يهتم والدينا بزواجنا، ولا يسعيان لتزويج أخي الكبير على الأقل، أما أنا فقد فقدت الأمل في الزواج، وأحس أنني أتحمل مسؤولية تخلى عنها أبي.
ولماذا علي أن أنفق على إخوتي وهما قادران على العمل، ولا يمنعهما إلا الكسل؟ تقول لي أختي إننا عودناهم على ذلك، ويجب ألا ننفق عليهم كي يعتمدوا على أنفسهم، خصوصا أخي الصغير.
أما أبي الآن فهو عاجز لتعرضه لحادث، رغم أن له حقا في معاش التقاعد، لكن بسبب ديون للدولة لا يستطيع أن يتقاضاه، إلا إذا دفع قسطا من المال.
لقد كرهت الرجال بسببهم، وأشعر أن معظمهم عالة يريدون الزواج من موظفة لتنفق عليهم، أحاول إشغال نفسي بطلب العلم، وحفظ القرآن، لكني أحيانا أحس بالقنوط، وأود أن أخرج من هذا البيت، عرض أخي علي أن نستأجر بيتا بالقرب من عملي حتى يتاح له البحث عن عمل.
هل هذا مقبول؟ أفكر أحيانا في ترك العمل لأنه يتعبني، لكني متأكدة أنه لن يعولني أحد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله تعالى أن يرزقك بر والدتك والوالد، وأن يعينك على معاونة إخوانك، ولا تتركي العمل، فإن في عملك الخير، ونسأل الله أن يكون هذا البر والإحسان سببا لسعادتك في الدنيا والآخرة، وسببا لتوفيقك في الحياة، وإذا طرق الباب طارق فلا تتأخري، فإن الأطفال والزوج والذرية يتكفل برزقهم رب البرية، القائل: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}.
واحمدي الله الذي هيأك لتقومي ببعض الأدوار، وأرجو أن تحتسبي الأجر والثواب عند الله -تبارك وتعالى-، ومع هذا ندعوك إلى مزيد من الحرص على أموالك، فلا تنفقي على من يستطيع العمل أن يعمل، بل شجعيه على أن يبحث عن العمل، ولا تقصري في الإنفاق على الوالد أو الوالدة إذا احتاجا، وشجعي الإخوان على العمل، ولا تندمي ولا تتحسري على ما فعلت من المعروف، فإن الجزاء عند الله عظيم، وفاعل المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكئا.
ما حصل من الوالد لا شك أنه يزعج، ولكن نحن لا نستطيع أن نحاسب الوالد أو الوالدة، ففضلهم علينا عظيم، نكتفي بالدعاء لهم، وبالنصح لهم، وبالوقوف إلى جوارهم إذا احتاجوا.
كذلك الأمر بالنسبة للأشقاء، أرجو أن يجدوا منك كل عون، واطلبي من الوالدة أن تشجعهم ليعملوا لمصلحة أنفسهم، فإن الحياة لا تدوم بهذه السهولة، بل ينبغي أن يشعروا أن الإنسان عليه أن يسعى، وعليه أن يبحث عن العمل، لأن الله يقول: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}، ولأنه يقول سبحانه: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}، ولأن العظيم يقول: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}.
فالله أمرنا أن نتخذ الأسباب، ثم نتوكل على الكريم الوهاب، وقد قال ﷺ: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما ترزق الطير)، التي تأخذ بالأسباب، فهي (تغدو خماصا) وتعود (وتروح بطانا)، تأكل رزقها، وتأتي برزق صغارها.
فنسأل الله أن يبارك لكم في أوقاتكم، وأن يبارك لكم في أرزاقكم، وقد أسعدنا حرصك على طلب العلم وحفظك لكتاب الله، واعلمي أن ما تقومين به من أعمال فيه الأجر والثواب العظيم عند الله -تبارك وتعالى-، فاستمري في الخير، واجتهدي في النصح لهم، واطلبي من الوالدة أن تشجع أشقائك على العمل، وبالنسبة لوالدك أرجو أن تعامليه بما تقتضيه الأبوة، لا تقصري في مساعدته إذا كنت تستطيعين، وكان محتاجا إلى مساعدتك، ولا تقصري في معاونة الوالدة والنصح لها، وافعلي هذا مع إخوانك.
أكرر: وإذا طرق الباب طارق فلا تترددي، ولا تيأسي، بل أظهري ما عندك من أخلاق جميلة ومروءة وخير بين جمهور النساء، ففيهن من تبحث عن أمثالك من الفاضلات الإيجابيات، لأخيها، أو لابنها، أو لخالها، أو لأي محرم من محارمها.
نسأل الله أن يعينك على الخير، ونحن نشكر لك ما تقومين به من مجهود أنت وشقيقتك الصغيرة، التي ينبغي أن تجد منكم أيضا التشجيع، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينك على الخير، واحمدوا الله الذي جعلكم في هذا الوقت عونا للعائلة؛ حتى لا يحتاجوا أن يمدوا أكفهم لغيركم، ونسأل الله أن يبارك فيك وفي هذه الشقيقة، وأن يطرح البركة في الأشقاء، وأن يحيي مواتهم حتى يبحثوا عن عمل ليقوموا بأدوارهم.
ونسأل الله أن يبرم لأمة النبي ﷺ أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، وأن يعينكم على الخير، ونكرر لك الشكر على التواصل مع الموقع، ونتمنى أن تتعوذي بالله من الشيطان، وتطردي كل فكرة سلبية، فهذه من الشيطان، وهم الشيطان أن يحزن الذين آمنوا، فعاملي عدونا بنقيض قصده.
والله الموفق.