السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا امرأة أحفظ كتاب الله، ومشغولة بحفظ المتون، وأمارس الرياضة، ولكن هنالك فراغ نوعا ما في يومي.
حين كنت طفلة قدمتني أمي لعمي وزوجته كي يربوني، بحكم أنهم ليس عندهم أطفال، رباني عمي وزوجته أحسن تربية، دراسيا ودينيا، ولكن إخوتي لا يحبونني أبدا، دائما يرونني متكبرة، وأمي -غفر الله لها- لا تقف بجانبي، حتى لو أخطأ إخوتي، فدائما تكذبني!
أبكاني وأحزنني الأمر كثيرا، وأنا من النوع الذي يتسامح مع إخوته حتى لو أخطؤوا في حقي، وأمي تقول لي: تختصمون وسترجعون، لا بأس بالعداوة والخصومة، وأنت فقط مدللة، وإخوتك دائما على صواب.
الآن تشاجرت معي أختي، ورغم ذلك حضرت عقدها الشرعي، أما هي فلم تحضر لي، وظلت تشاجرني دائما بكلام قاس، وصبرت كثيرا، وابتعدت من شدة أذاهم، وقبل أيام عقدت هي قرانها مدنيا، سمعت من الناس لأن أهلي لم يخبروني، واعتبرت الأمر طبيعيا، ولكن انتبهت إلى أن نفسيتي أصبحت متعلقة بالأمر، وأنني حزينة لأنهم لم يدعوني لعقد قران أختي، أو لا أدري ما السبب.
صار لدي ولأيام عديدة تفكير سلبي جدا، علما أني تعرضت منذ صغري لضغوط نفسية من أمي وأبي، وضربت، وأخذوني لفترة طويلة من عمي وزوجته اللذين أحبهم أكثر من والدي.
كيف أحسن نفسيتي؟ لأني رغم السعادة في يومي، أتذكر إخوتي وظلمهم، وأظل مكتئبة، وقد مررت بعدة صدمات نفسية، ومنها سقوط جدتي، ورؤية دمائها أمامي، وموتها، وسرقة ذهبي فترة وفاة جدتي، وكل أهلي يتمنون الموت لعمي كي يأخذوا أملاكه، بحكم أنه لا أولاد له، لا أدري كيف أحسن نفسيتي!
أريد كلاما يزيل اكتئابي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شروق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونحسب أن التي تحفظ كتاب الله وتشتغل بحفظ المتون، وتملأ وقتها بالنافع ومن ذلك الرياضة، لن تحتاج إلى توجيهات كثيرة، فقد وضعت قدميك في الطريق الصحيح.
الزمي القرب من كتاب الله، وأكثري من ذكر الله تبارك وتعالى، وعليك بالخضوع والسجود لله، واعلمي أن علاج الغم والهم والاكتئاب في ذكر الله، وأن الطمأنينة مكانها واحد، بحث عنها الناس عند الأطباء وفي الأموال وفي المناصب فلم يجدوها؛ لأن مكانها واحد {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
عليك بالوفاء لهذا العم الذي أحسن تربتك وتعليمك وتدريسك، وعم الإنسان صنو أبيه، فهو أب، كذلك زوجة العم التي أحسنت لك، وإذا ذكرك الشيطان بأي موقف سالب فتذكري الإيجابيات، واعلمي أن الدنيا لا تخلو من الصعاب:
طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار.
لذلك نتمنى أن تجتهدي في تخطي هذه الصعاب، ولا تقفي طويلا أمام المنازعات والمشاجرات التي تحدث بينك وبين إخوانك وأخواتك، وهذا كما أشرت هو من طبيعة الأشياء والأحياء، ولاحظي أنهم يخاصمونك ثم تمضين في حياتهم، فلا تعطي الأمور أكبر من حجمها، اجتهدي دائما في أن تستمري على ما أنت عليه من سلامة الصدر، وحسن التعامل، والعفو عن إخوانك وأخواتك، وتجاوزي هذه المواقف التي تمر، وقابلي إساءتهم بالإحسان، لأنك تطمعين فيما عند الله تبارك وتعالى.
لا تتذكري الماضي الأليم، والمواقف السالبة، وإذا ذكرك الشيطان بها فتجاوزيها، واعلمي أن هذا العدو همه أن يحزن الذين آمنوا، يجلب لنا المواقف السالبة لنفكر بطريقة سلبية، لنحزن، لنبتعد عن الله، لننسغل عن عبادة الله وذكره.
لذلك اعلمي أن هذا من كيد العدو، فعاملي عدونا بنقيض قصده، فإن الله أخبرنا أنه عدو فقال: {إن الشيطان لكم عدو} ثم بين لنا المنهاج فقال: {فاتخذوه عدوا}، ولن نتخذ الشيطان عدوا إلا إذا أطعنا الرحمن، فإن هذا العدو يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فلنعامل عدونا بنقيض قصده.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على تجاوز هذه المواقف، وأيضا على نسيان الصدمات والمواقف التي مرت عليك؛ فإن الحياة لا تخلو من الجراح، ولكن معها أيضا الأفراح، فكوني مع الله، واجتهدي في طاعته، وأبشري بالخير، وتواصلي مع موقعك.
اعلمي أن كل ما يجري في هذا الكون بقضاء الله وقدره، والسعيد هو الذي يرضى بما قدره الله تبارك وتعالى، واعلمي أن سعادتنا -كما قال عمر بن عبد العزيز- في مواطن الأقدار وفيما يقدره الله تبارك وتعالى، وأشغلي ما تبقى من يومك بالهوايات النافعة، ومصادقة الصالحات، والتواصل مع موقعك، والدخول على الأشياء المفيدة لقراءتها، وتطوير مهاراتك الحياتية، ونسأل الله أن يعينك على النجاح، وأن يحقق لنا ولك في آخرتنا ودنيانا الفلاح.