أسرفت في المعاصي حتى أصبحت أشعر أني منافق. فهل من نصيحة؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ارتكبت ذنوبا ومعاصي وكبائر، وكنت أحفظ القرآن منذ الصغر، وكانت حياتي طيبة، والتحقت بكلية مرموقة، وبعدها تغيرت حياتي بشكل كبير، فأهملت دراستي، وأخطأت، وتماديت في تعاطي المخدرات، وتخرجت من الكلية، وأصبحت أصلي أحيانا وأترك أحيانا أخرى، فتارة أكون ملتزما وتارة أخرى لا.

دائما ما أترك أي وظيفة، رغم أن الناس يتمسكون بي، وأرتكب العديد من الأخطاء في حياتي، وأندم، وأقول: لقد أسرفت في المعاصي بشكل كبير.

أشعر أني منافق متلون، متقلب المزاج، لا أثبت على حال واحدة في تعاملاتي، والناس يحبونني بشكل عام، هذا فضلا عن الوساوس التي تنتابني بين الحين والآخر.

أستشهد بالقرآن وأخشى أن أكون منافقا فصيح اللسان، يجادل بالقرآن، وأستشهد بالسنة، وأخشى أن أكون من الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: {بل الإنسان علىٰ نفسه بصيرة * ولو ألقىٰ معاذيره}.

في كثير من الأحيان لا أعرف من أنا؟ وقد قال لي طبيب: أنت ذكي، وقال لي طبيب آخر: استغفر. لكني دائما أنتكس، ثم أتوب إلى الله، وفي مواقف وأفعال أشعر أني منافق، وفي مواقف وأفعال أخرى أشعر أني قريب من ربي، فأنا حائر جدا، وقد تعبت، والله المستعان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لقد تألمنا كثيرا من رسالتك يا عبد الله، فمثلك لا ينبغي أن يقع في هذا الدرك الآسن، ولا يجب أن يكون أسيرا لتلك الشهوات الرخيصة!

أنت -يا عبد الله- شاب نشأ في عبادة الله، تذوقت طعم الصلاة، وعرفت جمال القرآن والعيش معه، كيف بعد ما مر بك من نعيم تنحدر إلى تلك الحياة القذرة التي لا تتناسب أبدا معك، ولا مع نشأتك الصالحة؟!

هل غرك حلم الله عليك؟! هل غرك ستره حتى اليوم عليك؟! هل أمنت غضبه إذ زين لك الشيطان ذلك أو أوهمك به؟!

يا عبد الله إن لله غضبة، متى ما حلت لا يقوم لها شيء، فاتق الله واحذر غضبه، فالله يغار على حدوده أن تنتهك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (إن الله تعالى يغار، وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) فلا تستدع غضب الله عليك، ولا تستجلب لنفسك شقاء اليوم والغد بسعادة متوهمة، ولذة محرمة.

أخي الكريم: إن حديثك هو حديث قلب لا يزال نابضا بحب الله، وعقل لا يزال غير راض عن الوقوع فيما حرم الله، لكن الصراع الذي عندك له طرفان:
- طرف هزيل قد أضعفته أنت، وهو تدينك ونشأتك الصالحة.
- وطرف عارض لكنك قويته بالسماح له بالتمدد في أرجاء عقلك وقلبك حتى صار مسيطرا عليك.

هذا هو الصراع الحاصل عندك، والذي توهمته نفاقا، وليس كذلك، هو صراع النفس الأخير لتلك التنشئة الصالحة التي أحيانا ما تستمع لها فتؤوب، وتتمنى الصلاح، وأحيانا أكثر تغفل عن النداء ولا تستمع لصراخها وطلبها منك العودة والتوبة، فيعلو لديك منسوب المعصية.

لكن الأعمار -أخي- تذهب سريعا، وها أنت اليوم في منتصف الثلاثين، فماذا بعد ذلك؟

يا عبد الله، {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}.

يا عبد الله، اعلم أن الله يحب توبتك ويريد عودتك، وقد شملك بالستر عليك، وأبقى لك نافذة تعود منها إليه، فاستفق -يا أخي- قبل أن تغلق تلك النافذة، فلا تجد إلا العذاب والندم، حيث لم يعد ينفع.

إننا ننصحك أخي وفورا، الآن وأنت تقرأ أن تستعيذ بالله مما وقعت فيه، وأن تتوب إلى الله توبة صادقة، وأن تصلي لله ركعتين تبث فيها همك لله، ثم تفعل ما يلي - المهم أن تفعل ما يلي فورا وبالتوازي مع التوبة-:

1- مسح كل أرقام ووسائل تواصل أصحاب السوء معك، ثم بعد مسح الأرقام حظرهم، ثم جلب رقم هاتف جديد.
2- الذهاب الآن وفورا إلى المسجد، والجلوس مع الصالحين، ووزع هاتفك بأرقامهم والتواصل معهم.
3- البحث عن عمل والرضا به، والاجتهاد فيه، وعدم تركه إلا إلى أفضل منه لك.
4- الذهاب إلى والديك، وطلب الدعاء منهما، والجلوس تحت أقدامهم إن كانوا أحياء.
5- البحث عن زوجة صالحة ولو بإمكانات متواضعة، وستجد من أهل الصلاح من يعينك على ذلك.
6- الابتعاد عن الفراغ، فإنه سم قاتل، وشغل كل أوقاتك إما بالعلم، أو الذكر، أو الصلاة، أو العمل، أو ممارسة رياضة، أو لقاء الأصحاب الصالحين، أو الجلوس مع الأهل، المهم أن تكون مشغولا على الدوام.
7- الإكثار من الصيام؛ فإنه معين لك على الاستقامة.
8- ممارسة الرياضة المحببة لك والمواظبة عليها.

هذه الثمانية -أخي عبد الله- يجب أن تسير معا، وستجد تغييرا حقيقيا، وعودة إلى ما كنت عليه من صلاح وطهر ونقاء، نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات