ترددي بين الرغبة، والخوف من مسؤوليات الزواج

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخاف جدا من العلاقة الزوجية لما قرأت عنها في موقعكم وعن آلامها، وأخاف كثيرا من الإنجاب والإجهاض. أعلم أن الأولاد زينة الحياة، ولكن أيضا لأن والدي رباني على فعل ما هو حلال واجتناب كل حرام، فلما كبرت ورأيت الفرق بين ما أفعله ولا أفعله وما يفعله كثير من الناس، شكل لي الأمر عقدة.

أصبحت لا أخرج من البيت إلا لضرورة قصوى، لكي لا أعرض نفسي لرؤية أشياء أنا أيضا أستطيع فعلها، ولكن لحرمتها لا أفعلها، ولما كبرت أيضا، أصبحت أقرأ بنفسي على موقعكم، لأزيد من معرفتي بالدين، وما أمرني الله به وما نهاني عنه، فزادت حدودي وتغير قصدي، أصبحت أفكر في حياتي: إن كنت لا أعرف حرمة بعض الأشياء، أشعر أنها كانت ستكون أسهل، وكنت لن أعاقب على ما فعلت من حرام أو خطأ في الآخرة، لأني كنت جاهلة، ولكن أيضا أعلم أنه يجب التفقه في الدين، وهو شيء يزيد من القيود على الإنسان، وعندما يخرج ويرى ما يفعل الناس، يستصعب ذلك، أو لا يبالي، ويثبت على ما هو فيه، ويعلم أنه على حق، رغم فعل أغلب الناس لعكسه.

لا أزكي نفسي على أحد، ولكن إن أنجبت أطفالا، فسأربيهم على ما لا يفعله الناس، وعندما يكبرون سيجدون أنهم ممسكون بالجمرة، وأنهم غرباء بفعلهم ما أمر الله ورسوله.

يصعب علي أيضا الاقتناع بأنني ووالدهم لن نكون المؤثرين الوحيدين في حياتهم، وأخاف من انفلاتهم ودخولي في دوامات ودوامات، كنت في غنى عنها إن لم أتزوج بمن أحب.

أعلم أن رحلة الزواج والإنجاب حلوة، ويكفي أنني مع من أحب ويحبني، ولكن بها أيضا ما يقلق، أستطيع أن آخذ الأمور ببساطتها وأن أسهلها على نفسي الآن، ولكن أخاف أيضا من أن أعود للتفكير، أو أن أندم فيما بعد، لأني استسهلت أمرا ليس بتلك السهولة.

هو أخبرني أني إن لم أنجب -لا قدر الله-، فإنه سيتفهم لأنه يحبني، ولكن هو أكبر إخوانه، وأعلم مما قرأت ورأيت أن الأهل في حالته يريدون أن يروا أطفاله وأحفادهم، وإن كنت أنا لا أستطيع، فإنه وإن لم يبحث عن زوجة أخرى، فقد يقنعه أهله بذلك، أو يوقعون بيننا، حتى وإن كانوا يحبونني.

أنا في توتر شديد من كل شيء في هذا الموضوع، ورغم خوفي الشديد منه، إلا أنني لا أستطيع أن أقرر رفضه، لأنني أخاف أن أندم أيضا على رفض من كنت أحبه ويحبني، وأخاف أن أريد في يوم من الأيام أطفالا.

لا أعلم من أين قد يأتيني شعور بذلك، ولكن لا أعلم ما قدر الله لي في هذه الحياة، الشخص الذي أخبرتكم عنه كل ما رأيته منه مقبول، مستوى تعليمه، أخلاقه، تعامله مع أهله، أشيروا علي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بيسال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:

نتفهم حديثك وقلقك، خاصة في هذا العصر الذي تموج به المغريات من كل حدب وصوب، ولكن -أختنا- غاب عنك أمران:

الأول: وجود شيطان متربص بك يريد أن يفسد حياتك الزوجية، ويجلب لك الهم والغم، ولذا أراك الجانب المظلم من الإنجاب، وضيق صدرك حتى وصل الحال إلى ما قد ذكرت.

الثاني: أن الإنجاب أحد المقاصد الشرعية في الزواج، والتي يؤجر عليها الإنسان، فقد قال ﷺ مخاطبا شباب الأمة: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم)، وذكر الغزالي -رحمه الله- أن الإنجاب مع النية للحسنة للوالدين يؤجر عليها الإنسان من عدة وجوه:

الأول: موافقة محبة الله عز وجل، في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.
الثاني: طلب محبة الرسول ﷺ في تكثير من يباهي بهم الأنبياء والأمم يوم القيامة.
الثالث: طلب البركة، وكثرة الأجر، ومغفرة الذنب، بدعاء الولد الصالح له بعده.

وأما عن تخوفك -أختنا- فلا مكان له؛ لأن الإنسان عليه العمل والجهد، وأما الهداية فشأن آخر، لست ملزمة به ولا محاسبة عليه، وقد كان يعلم ذلك خير خلق الله، وهم الأنبياء، ومع ذلك كثر الدعاء منهم بالذرية الحسنة، فقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه قائلا: {رب هب لي من الصالحين} ودعا زكريا عليه السلام نداء خفيا: {قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا} وأثنى الله تعالى على عباده الصالحين بمحامد كثيرة منها قوله: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} وأخبر الله تعالى أن شعيبا عليه السلام أمر قومه أن يذكروا نعمة الله عليهم إذ جعلهم كثرة بعد قلة، فقال: {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} فاعتبر تكثيرهم بعد القلة نعمة عظمى، توجب عليهم طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ.

أختنا الفاضلة: إن الولد من كسب والديه، وعمله الذي لا ينقطع بالموت، بل إن إماما كالسيوطي يتعجب أشد العجب، ممن يحرم نفسه هذا الخير، فيقول: "بعضهم يقول: الذي يريد الولد أحمق، فلا نال الدنيا ولا الآخرة، إن أراد أن يأكل أو ينام أو يجامع نغص عليه، وإذا أراد أن يتعبد شغله أيضا! هذا غلط عظيم؛ لأنه لما كان مراد الله تعالى من إيجاد الخلق اتصال دوامها إلى أن ينقضي أجلها، حث الله تعالى الآدمي على ذلك تارة من حيث الطبع بإيقاد نار الشهوة، وتارة من باب الشرع بقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم}، وقول الرسول: (تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، ولو بالسقط) ".

وقد طلب الأنبياء الأولاد، وتسبب الصالحون إلى وجودهم، ورب جماع حدث منه ولد صالح، كالشافعي وأحمد، كانا خيرا من عبادة ألف سنة، وقد جاء الخبر بإثابة الجماع بقوله ﷺ: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته وله فيها جر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).

وكذلك الأجر والثواب في النفقة على الزوجة والأولاد، وقد يموت له ولد، فيبقى له ذخرا وأجرا كما قال: "إذا مات ولد العبد يقول الله تعالى للملائكة: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول الله تعالى: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. أي قال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد".

وإما أن يخلفه بعده فيلحقه بركة دعائه كما في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فمن أعرض عن طلب الأولاد خالف السنة وعدم هذا الفضل والثواب الجزيل". انتهى.

وعليه -أختنا- فاطردي هذه الأفكار السلبية عنك، واجعلي نيتك في إنجاب رجل يكون إماما للمسلمين، يجدد لهم أمر دينهم، أو يكون طبيبا يداوي مرضاهم، المهم أن تكون لك نية في ذلك، وعسى الله أن يجعل من نسلكم من يصلح الله به حال هذه الأمة المكلومة.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يرزقكما الأبناء والبنات الصالحين والصالحات، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات