السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قبل خمسة أشهر تقدم لخطبتي شاب مناسب جدا، يلتزم بأداء صلاته، مهندس ناجح وطموح، سمعته طيبة ومعروف بحسن الخلق، دخل بيتنا وجلسنا سويا لنتعارف قليلا، فأخذنا الكلام وتحدثنا كأننا نعرف بعضنا منذ سنوات، كنت مرتاحة وربما حتى سعيدة في حديثي معه، وبعدها انتظروا منا الرد النهائي.
سأل عنه والدي جيدا وكل ما سمعناه كان كلاما طيبا جدا عن الشاب وعن عائلته، ولكني في هذه الأيام كنت مضطربة، ساعة أقول أنا موافقة وساعة أرفض، حتى أبلغناهم برفضنا.
أنا نادمة جدا، لا لذهاب الخاطب بقدر ندمي على إدخال الحزن على قلبه، فقد أظهر رغبته في موافقتي، ووصلني الكلام بأنه سعيد جدا بهذه الخطوة وبالتعرف إلي.
امتلأ قلبه أملا باجتماعنا، ثم حطمت هذا الأمل برفضي الجاهل والمتهور واللاعقلاني، أنا نادمة جدا؛ لأنني كنت أتحدث بود في جلستنا معا، وأبتسم، ربما هذا الأسلوب هو ما جعله يبني الأمل في زواجنا.
أنا لم أقصد ذلك، ولا أريد أن يحزن، لقد خسرت شابا رائعا، ولكن الشعور الأسوأ هو أني تسببت في حزنه وهمه، حتى بعد هذه الأشهر يضيق صدري عندما أتذكر، وأقول في نفسي أني ظلمته.
تعلمت درسا بأن لا أجالس الخاطب قبل أن أتأكد بنسبة كبيرة من موافقتي، وأن أتحدث بجدية وحزم معه قدر الإمكان، ولكني حتى لا أشعر برغبة في استقبال الخطاب، وأرى أنه يجب علي أن أنتظر حتى يخطب هو أولا ليكون سعيدا ومرتاحا!
سؤالي هو: كيف أسامح نفسي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هديل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
أولا: الزواج رزق مكتوب وقدر ماض، قدر الله ذلك على خلقه من قبل أن يخلقهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وهذا الحديث يدفعك إلى الاطمئنان وعدم الجزع، فما كتبه الله لك سيكون، فأبشري وأملي في الله خيرا.
الشاب -كما ذكرت- إنسان مناسب لك، لكنك رفضت الزواج منه، وقد يكون هذا هو الخير لك، فنحن دائما ما نكرر أن قضاء الله خير لك مما أردته لنفسك، وأن الله يختار لعبده الأصلح والأوفق له، وقد علمنا القرآن أن العبد قد يتمنى الشر وهو لا يدري أن فيه هلكته، وقد يعترض على الخير ولا يعلم أن فيه نجاته، قال تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم"، فكوني على يقين بأن اختيار الله لك هو أفضل من اختيارك لنفسك.
وقد يكون الشاب صالحا من كل النواحي، لكن الله يعلم أن هذه الشخصية لا تلائمك، فيصرفك عنه ويرزقك من هو أفضل لك منه، وإن كان أقل منه في بعض الجوانب.
غاية ما نريد قوله هنا: أن قضاء الله للعبد هو الخير لا محالة، وأن رفضك له خير له ولك، أما مسألة الحزن وعدمه فهذا من تلاعب الشيطان بك، ليوقظ فيك الهم والحزن، وليصرفك عن الخير (نعني إن تقدم إليك من هو مناسب لك). وعليه: فلا تضعي هذا الأمر في ذهنك أصلا، فالخاطب حين يذهب ليخطب يتوقع القبول كما يتوقع الرفض، وليست هذه مسألة ثقيلة على الإنسان كما تتصورينها.
وعليه: فلا داعي للحديث عن المسامحة من عدمه؛ لأنك ما ظلمته أصلا، طلب الشاب طلبا وتم رفض الطلب، ليس عيبا فيه ولا قدحا فيك.
على أننا نقول لك: إن كنت ترين الشاب مناسبا لك، وتشعرين أنك تعجلت الرفض، فيمكن أن يتوسط أحد المشايخ أو الناس الكبار العقلاء الحكماء ليجدد هذه المياه، دون أن يعلم الشاب أنه من طرفكم، لكن هذا لا يكون إلا باستشارة أهلك وموافقتهم على ذلك، فإن رفضوا فاعلمي أن هذا هو الخير، وعليك أن تغلقي هذا الباب مطلقا، ولا تفكري فيه، وإن أتاك خاطب مناسب فاستشيروا واستخيروا، ثم إن رأيتموه مناسبا فتوكلوا على الله، دون النظر إلى ما قد كان من أمر الشاب السابق.
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، والله الموفق.