السؤال
في صغري كنت أظن أن كل ما أراه أمرا عاديا، من الذهاب إلى الأعراس التي بها موسيقى صاخبة، إلى لبس السراويل مع الحجاب، وحتى الشتم والكلام البذيء، فوالدانا يأمراننا بتجنب هذا الكلام إلا أنهما لا يتجنبانه، بل ويقولانه بكل أريحية.
عندما كبرت واطلعت وفهمت، وعرفت حقيقة الواقع صرت أستطيع التمييز بين الحلال والحرام، إلا أن ما أراه من مظاهر الفسق والفجور، وعدم قدرتي على تجنب بعض الأمور؛ كان سببا في إصابتي بوسواس حاد، سبب لي الاكتئاب والحزن الدائم، وكره الحياة، وحتى بعد التعافي منه -رغم بقاء آثاره- لا زال الحزن يصيبني.
سبب ما أعانيه هو خجلي من تقديم النصيحة، وإنكار المنكر، فعندنا في لهجتنا العامية توجد عدة ألفاظ قد تعتبر كفرا، وكثير من الناس هنا عند الغضب يسبون الذات الإلهية -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-، فإذا كنت في مجلس -عند أقاربنا مثلا- وسمعت أحدا يغتاب غيره أنهض من المجلس، وأحيانا أبقى جالسة؛ لأن هذا يسبب لي الإحراج، ويجلب لي الانتباه، وكلام الناس.
لا أتكلم بالسوء، ولكني أسمع كلامهم، فأخجل من النهوض، وفي نفس الوقت أعلم أن ذنب استماعي كذنب قولهم، لقوله تعالى: {إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}.
فماذا أفعل في مثل هذه الحالات؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا: نشكرك على تواصلك بالموقع، ونهنئك بفضل الله تعالى عليك، وهدايته لك إلى الشعور بضرورة تجنب المعاصي والفسوق، والاهتمام والاعتناء بإنكار المنكر ونصيحة الناس، وهذا كله علامة على أن الله سبحانه وتعالى يريد بك الخير، فنسأل الله تعالى أن يوفقك للخير ويثبتك عليه.
ثانيا: ينبغي أن تعلمي -ابنتنا العزيزة- أن الإنسان المسلم والمرأة المسلمة بحاجة إلى تعلم أحكام الدين؛ ليستطيع التمييز بين ما يحبه الله تعالى، وما يبغضه، وما يقرب إلى الله تعالى، وما يباعد عنه، فإن العلم نور، والرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما جاء ليعلم الناس الخير، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت معلما)، وواجب على الإنسان أن يتعلم، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
فنصيحتنا لك: أن تشغلي وقتك، وأن تبذلي جهدك في تعلم دينك، وهذه خير وسيلة للتقرب إلى الله تعالى؛ أولا: بالعمل الصالح، فإن طلب العلم من أفضل الأعمال الصالحة، وثانيا: العلم سينور لك الطريق، ويبين لك أنك في خير كثير، وأن ما تعانينه من اكتئاب، أو ضيق، أو حزن بسبب هذه الأعمال التي ترينها؛ لا ينبغي أن يسبب لك كل ذلك الحزن والضيق.
فنصيحتنا لك: أن تتعلمي دينك بالتدريج، مبتدئة بالأصغر فالأكبر، فتتعلمي أحكام الطهارة، وأحكام العبادات التي تمارسينها؛ كالصلاة، والصوم، ونحو ذلك، وتتعلمي أركان الإيمان الستة، وهذه المعلومات البسيطة موجودة -ولله الحمد- على مواقع العلماء بكثرة، ومن المواقع النافعة موقعنا هذا (إسلام ويب)، فإن فيه فائدة كبيرة ونفعا كثيرا. وكذلك مواقع العلماء المشهورين المعروفين، كالشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- فإن موقعه مليء بالمواد العلمية النافعة، وبطريقة سهلة مناسبة.
ثالثا: نحب أن نطمئنك -ابنتنا الكريمة- بأنك في خير كثير -ولله الحمد-، ولا يلزمك أن تفعلي فوق قدرتك واستطاعتك، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإنكار المنكر فرض واجب، فإن استطعت أن تتكلمي بإنكار هذا المنكر، وكان لديك الحجة والبرهان على أن هذا منكر، وتقدرين به على إقامة الحجة على الآخرين؛ فتكلمي، وربما لا يقبل الناس منك بسبب صغر سنك مثلا، أو غير ذلك، ولكن هذا لا يعني شيئا بالنسبة لك، فأنت تريدين رضا الله تبارك وتعالى، فالشيء الذي تعلمين أنه حرام حاولي أن تذكري لمن حولك ممن يجهل أنه حرام، أو ناسيا أنه حرام، حاولي أن تذكريه بأن هذا حرام، وبذلك يثبت أجرك عند الله تعالى، سواء استجاب لك الناس، أو لم يستجيبوا لك.
وإذا لم تقدري على ذلك فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، بل بعض العلماء يرى بأن الإنكار للمنكر إذا لم يغلب على ظن الإنسان أنه سيستجاب له وسينفع هذا الإنكار؛ فإنه لا يجب عليه هذا الإنكار، وفي هذا فسحة لنا في بعض الأوقات والأحوال، إذا لم نقدر على الإنكار، وأردنا السكوت، حين يحصل في نفوسنا هذا الظن أنه لن يستجاب لنا.
فالأمر إذا واسع، ولا يحتاج منك إلى كل هذا الضيق، وإن كان في الأصل المؤمن مطلوب منه أن يتضايق، وأن ينكر بقلبه، والإنكار بالقلب معناه كراهة المنكر، وكراهة أصحاب المنكر بقدر منكرهم، وهذه الكراهة من المؤكد أنها تسبب للقلب ضيقا؛ فهذا العمل إذا حصل فإنه عمل صالح، لا ينبغي أن يكون سببا للكآبة، والحزن، والانقطاع عن الأعمال الصالحة الأخرى، إنما هو معبر عن يقظة الضمير والقلب لدى هذا الإنسان المسلم.
لا تبالي بكلام الناس؛ فإن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يملك كل شيء، فحياتك وموتك، وسعادتك وشقاوتك، والجنة والنار؛ كل ذلك بيد الله تعالى وحده، فتوجهي إلى الله تعالى وحده، فهو كافيك.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.