زيادة الوساوس في أمور العقيدة.. هل هو عقاب أم ابتلاء؟

0 11

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤال أرجو إجابة عنه بتفصيل؛ لأني بأمس الحاجة للجواب.

بدأت لدي وساوس حول العقيدة قبل مدة، وعرفت أنها من الشيطان، وحتى بعض الصحابة رضوان الله عليهم حصلت لهم، وهي من مكائد الشيطان، لكن كنت أدفعها؛ لأنها تقول لي خواطر حول ذات الله -سبحانه وتعالى-.

علما بأني لن أتقبلها أبدا؛ لأنها تمس العقيدة، المهم كنت مصرا على ذنب -غفر الله لنا-، وهذا ذنب أحسست أنه جعل قلبي قاسيا، ومع الوقت أحاول استحضار الآيات وتدبر المخلوقات، لزيادة يقيني بالله جل وعلا، لكن بلا جدوى.

أحس أن قلبي أغلق عليه، وأصبح كالحجارة، والشيطان أصبح يأتيني كل الوقت، وزادت وسوسته، وصرت أقول: إن الله معي، ولن أقول أي كلمة تمس بإيماني.

هل هذا عقاب أم ابتلاء؟ يعني كنت مصرا على معصية، وعرفت أن هذه المعصية حجرت لي قلبي لكني توقفت عنها قبل مدة خشية ذهاب الإيمان.

ماذا أفعل؟ والله لا أعلم! فالشيطان يصيبني بالنزغات والوساوس، وزاد على ذلك إضعافي في استحضار الآيات، أعوذ بالله من شر الشيطان، فلقد تكالب علي، ولم أفهم حقا أهذا ابتلاء أم عقوبة؟!

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يصرف عنك ما تجد، وأن يثبتك على الدين، وأن يصرف عنك وساوس الشياطين، إنه جواد كريم.

أخي: من خلال حديثك فإن عندك مشكلتين:

1- المعصية التي أرقتك وأذهبت عنك الأنس بالطاعة، والتي تركتها والحمد لله.
2- الوسواس الذي أرهقك وشغلك، وأدخلك في دوامات أنت من أبعد الناس عنها، والحمد لله.

أخي: اعلم أن للمعصية شؤما على صاحبها، وقد عد ابن القيم بعضها ومنها:

1-حرمان العلم؛ فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.

2- حرمان الرزق؛ قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).

3- الوحشة بين العبد والرب، قال بعض السلف: "إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي".

4- ظلمة القلب: قال عبد الله بن عباس: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".

5- حرمان الطاعة.

هذه بعض آثارها على الإنسان وعلى القلب، لكن نحمد الله أن لنا ربا كريما ودودا حليما، وعد من يتوب ويؤوب بالمغفرة والعفو، وقد ذكرت أنك تبت إلى الله تعالى، فثق في عطاء الله لك، واعلم أن الله يقبل التوبة عن عباده، بل يفرح ربنا لتوبة عبده، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري -خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه، وفي رواية لمسلم (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

هذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأمل في الله خيرا، واعلم أن الله كريم غفور رحيم وهو القائل جل شأنه: ( ‏‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) والتعبير بقوله جل شأنه (لا تقنطوا من رحمة الله) يدل على سعة رحمة الله، وعدم يأس المؤمن من رحمة الله جل وعز، فبادر بالتوبة إلى الله، وأقبل على ربك، ولا تيأس من رحمة الله.

لكن اعلم أن التوبة لا ينقلب العبد بعدها مباشرة إلى نقيض ما كان عليه، ولن يتذوق طعم التدين فجأة، بل لابد من السير والصبر والدعاء والقيام حتى يعود القلب إلى صلاحه الأول.

ثانيا: الوسواس -أخي الكريم- أداة الشيطان الكبرى لصرف الإنسان عن الخير، وإبعاده عن طريق الهداية، وأنت -والحمد لله- مؤمن، وكل ما يقذف على سمعك أنت بريء منه تماما، فلا تقلق، واعلم أن هذا يحدث معك ومع غيرك؛ لذا لا بد من مقاومة الوسواس، ولكن بطريقة علمية، ونحن نختصرها لك فيما يلي:

1- الاحتقار: نعم احتقر الوسواس، ولا تجعل له شأنا، ولا أثرا، ولا تفكر فيه، واعلم أن الإنسان إذا احتقر أمرا هان عليه، وإذا ضخم شيئا وقع فيه.

2- لا ترد على الشبهة، لا تفكر فيها، ولا تتماه معها؛ لأن الرد عليها يجعلها حية يقظة، وتغافلك عنها يميتها، ولو بعد حين.

3- ردد في نفسك بأن ما أنت فيه من وسوسة هو صريح الإيمان وليس نقيضه، وذكر نفسك كلما حزبك أمر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين جاء إليه ناس من أصحابه فقالوا له: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: (وقد ‏وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان).

قال النووي في شرحه لهذا الحديث: ‏‏فقوله صلى الله عليه وسلم: "ذلك صريح الإيمان، ومحض الإيمان،" معناه: استعظامكم ‏الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا ‏عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك.‏

أنت على خير، فأمل في الله تعالى كل خير، واعلم أن المشكلة ليست في معرفة هل هو ابتلاء أو عقوبة؛ لأنه لا يمكن لأحد الجزم بذلك؛ فهذا من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وفوق ذلك فليس لمعرفته كبير أثر يترتب عليه؛ لأن المؤمن المطلوب منه صرف همته إلى ما يرضى الله تعالى، وأن يصبر على تحقيق ذلك، وهذا هو المراد.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، وأن يثبتك على الحق المبين، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات