السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 23 سنة، قبل 5 سنوات أصبت بابتلاء شديد في النفس، كانت لدي وساوس في الدين والعقيدة، وخوف شديد من الكفر و-العياذ بالله-، كنت أبكي بشدة، وأخاف على نفسي وأهلي من الكفر، فتركت مخالطة الناس، وأصبحت أمكث في مصلى الجامعة، وأتغيب عن المحاضرات، علمت أن هذا الابتلاء أصابني لأعود إلى الله تعالى، وبالفعل التزمت في بداية الأمر باللباس الشرعي، وأصبحت أقرأ القرآن بتدبر أكثر، ولكن الوساوس لا تفارقني، كنت أشعر براحة كبيرة عند الوضوء والصلاة، وأشعر بسعادة كبيرة عند قربي من الله.
للأسف هذا الشيء لم يدم طويلا، في سنة الكورونا تعرفت إلى شاب غير عربي عبر الإنترنت، وتحدثنا عبر برنامج الواتس اب، في البداية كان هدفي دعوة الشاب للإسلام، فكنت أفسر له بعض الآيات من القرآن الكريم، وقال: إنه سيجرب الصيام، ففرحت بذلك، لكن المحادثات انحرفت إلى أمور جنسية، أنا في حياتي لم أتجاوز حدودي مع الشباب، ولكن لا أدري ماذا حدث لي!
أقنعت نفسي في تلك الفترة أني موسوسة، وأني لن أحاسب، تركت الصلاة لفترة، وأفطرت يوما في رمضان بدون عذر، كل هذا بحجة الوسواس، وأعلم أن هذا من الشيطان، طلب مني الشاب أن أرسل له صورا فاضحة، وللأسف الشديد فعلت هذا الطلب.
تبت إلى الله تعالى توبة نصوحة، وقطعت علاقتي بالشاب، ولا أكلمه إلا للضرورة، ولكن مشكلتي أن الوساوس زادت، أصبحت حياتي عبارة عن جحيم، أتذكر ذنوبي فأصاب بالقلق، أحيانا لا أستطيع النوم ليلا، وأذهب للجامعة وأنا في غاية التعب والإرهاق!
كيف أطمئن أن الله غفر لي؟ وكيف أعود إلى نفسي السابقة المطمئنة بالإيمان؟ وكيف أتخلص من الوساوس والخوف والقلق؟
جزاكم الله خيرا، وأعتذر على الإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ F.A حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يحفظك، وأن يتوب عليك، وأن يعفو عنك، وأن يثبتك على الطاعة، إنه جواد كريم.
أختنا: لقد آلمنا حقا ما قمت به، لأن حديثك لا ينبئ عن فتاة ترغب في معصية الله، أو تسعى لذلك، فأنت عفيفة طاهرة محبة لدينك، ولذا تألمنا أن تقعي في مثل هذا المنحدر، وأن تظني أن الحديث مع الرجال الأجانب عليك مأمون الجانب، ولو حتى بتعليم القرآن، لقد غرك الشيطان واستدرجك، حتى أوقعك في هذا الدرك الخطير، وكان أولى بك الابتعاد عن خطواته وأنت الفتاة المؤمنة، وأن تحذري الوقوع في شراكه.
أختنا الكريمة: لقد تبت إلى الله تعالى مما حدث، ومن جملة التوبة عليك فعل ما يلي:
1- مسح رقم هاتف الرجل من على هاتفك نهائيا، ومسح كل وسيلة تواصل بينك وبينه، ومسح كل الرسائل أو الصور كذلك.
2- العزم التام على عدم العودة إلى تلك الوسائل من التواصل، التي لا ترضى الله، ولا تتناسب مع صلاح الأخوات المؤمنات.
3- التعرف إلى أخوات صالحات تقيات، والسير معهن؛ لتقوية دينك، ليصبحن لك حصنا من الوقوع في المزالق المهلكة.
4- الابتعاد عن الفراغ، لأنه وسيلة الشيطان في الوسوسة والإغواء.
الله عز وجل إذا يسر للعبد باب التوبة، فإن هذا أدعى للقبول، فاطمئني، وثقي بأن الله لطيف بعباده، وأنه يقبل دعوة المضطر إذا دعاه، وأن العبد متى ما أقبل على الله أقبل الله عليه، بل يفرح الله بتوبة العبد إذا تاب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"، وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث قدسي: "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي..." [رواه الترمذي].
- أما وسيلة التخلص من الوسواس، فهي كالآتي:
1- الوساوس لا تناقش: ومن أخطر ما يقع الناس فيه هو محاولة تحليل الوسواس، والرد عليه، والسير مع تفريعاته، هذا خطأ كبير، فالوساوس حين تناقشينها وتخضعينها للمنطق تتولد لك وساوس أخرى جديدة ومتفرعة، وهكذا تدخلين دوامة أخرى خطيرة.
2- الوسواس عارض وسيزول، وثقتك بذلك هي أول العلاج؛ لأن أضعف ما يكون الإنسان، حين يستولى عليه اليأس من التغيير، لذا كوني مطمئنة بأنه عارض، وأنك قادرة على تجاوزه -بأمر الله-.
3- أهم ميادين الوسواس التي ينشط فيها: بيئة التفكير السلبي فيه، فإذا أردت القضاء عليه فحولي كل أمر سلبي إلى إيجابي.
4- حقري تلك الوساوس، واربطي بينها وبين السخف، ورددي في نفسك دائما: هذا وسواس، كلام فارغ، كلام سخيف، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدا، فحين يستخف الإنسان شيئا فسوف يحتقره، وحين يحتقره سوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس لا يصير جزءا من حالة الإنسان.
5- الصحبة الصالحة طريق العبور إلى السلامة، فأكثري منهن.
6- المداومة على ذلك، وعدم الاستسلام له.
- من أجل العودة إلى ما كنت عليه من الصلاح، يحتاج منك إلى ما يأتي:
1- إقامة الفرائض، واستحضار الخشية من الله عز وجل.
2- المحافظة على الأذكار، وخاصة الصباح والمساء والنوم.
3- الخلوة ولو بركعتين.
4- سماع دروس أهل العلم، والتسجيل في الأكاديميات الشرعية عبر الانترنت، وننصحك بكتاب الشيخ/ محمد صالح المنجد، بعنوان: "كيف نجدد الإيمان في قلوبنا"، فهو كتاب نافع.
وأخيرا: احذري أن تخبري أحدا بما كان منك، وإن أتاك خاطب أو غيره فلا تخبريه بشيء، فتلك معصية وأنت تبت إلى الله منها، فاستري على نفسك.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.