السؤال
أنا شاب في دولة أجنبية، وقد كنت لا أفهم بالدين، وأكره الإسلام بشدة، بسبب جهلي، وعدم معرفتي بهذا الدين العظيم، وعندما تبت -الحمد لله- ابتعدت عن التدخين وشرب الخمور، والذهاب إلى الملهى الليلي، وأصبح الجميع يعرف بأني شاب متدين -مطوع-، ولكن صاروا يسخرون مني، ويقولون: يا إمام، ويا شيخ.
لقد تعلمت الكثير من الدين، من الحفظ والسيرة النبوية، ومعرفة الصحابة، وكل هذا و-الحمد لله- بفضل الله، ثم بنفسي، دون شيخ أو أحد، ولكن بعد كل فترة أشرب الخمور، وأتوب توبة نصوحا، وأرجع إلى فعل ذلك وأندم، وأتعلم أكثر عن ديني، وبعد فترة شهر أو شهرين أرجع إلى نفس الأمر، وأشرب الخمور.
أصبح الجميع يقولون لي: أنت منافق يا مسلم، هل تترك دينك؟! لماذا تغضب عندما نقول بأن في المسلمين نفاقا؟! وأنا أتضايق من هذا، وأقول لهم: أنا لا أمثل هذا الدين العظيم، إنما أنا أعصي، المذنب أنا وليس ديني، ولكن لا أحد يهتم لهذا، ولا أعلم إن كانت الشهوة هي التي تذهب بي إلى هذا الطريق أم أني شخص ضعيف، وتوبتي ليست نصوحا، وأشعر بالضيق، وأتوب بعد كل معصية.
أحاول مرارا وتكرارا، وأقول هذه المرة الأخيرة، ولكني أعود لنفس الذنب، وأقول سأشرب الخمر هذه المرة فقط، وكل مرة نفس الشيء!
ماذا أفعل؟ أريد نصيحتكم أرجوكم، فأنا أعلم بأن الدنيا فانية، والله تواب رحيم، ولكن لا أعلم ما هو السبب؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فلان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نهنئك بفضل الله تعالى عليك، وما من به عليك من حب التوبة والرجوع إلى الله تعالى، والإقلاع عن ذنوبك، وهذا فضل عظيم ينبغي أن تعتني بشكره، وأن تحمد ربك عليه؛ فإن الله تعالى إذا شكرته زادك، كما قال جل شأنه: (لئن شكرتم لأزيدنكم).
من شكر الله تعالى على الهداية الثبات عليها والاستمرار، والأخذ بالأسباب التي تعينك على هذا الثبات، ومن أهم هذه الأسباب -أيها الحبيب-: أن تتذكر الجزاء والعقاب لهذه الذنوب؛ فإن الله تعالى بالمرصاد، وسيطلع كل واحد منا على ثمرة عمله، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد).
الله تعالى يحذرنا من عواقب هذه الذنوب ونهاياتها، فإذا تذكرنا هذه النهايات والعواقب؛ فإن في ذلك الكف للنفس والزجر لها عن الاستمرار في غيها وضلالها، وقد حذرنا النبي ﷺ كما حذرنا القرآن قبل ذلك من الخمر، وبين لنا ﷺ أنها مفتاح كل شر، فقد قال ﷺ: (اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر) رواه الحاكم وصححه، وحسنه الشيخ الألباني.
من شرور هذه الآفة ونتائجها ما أخبرنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم، من أن (ثلاثة لا يدخلون الجنة، ومنهم مدمن الخمر، وثلاثة لا تقربهم الملائكة، ومنهم السكران).
كما أخبرنا ﷺ بأن من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة، وقبل ذلك أخبرنا ﷺ بأن الخمر ملعونة، وأن شاربها ملعون، واللعن يعني الطرد من رحمة الله، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول ﷺ: يقول: (أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها) يعني شرابها.
لعن كل من له اتصال بالخمر وتسبب في حصول هذه المعصية العظيمة، مفتاح الشرور، فتذكرك لكل هذه العقوبات وكل هذا الوعيد من شأنه أن يردع النفس ويردها عن غيها.
خير ما ينبغي أن تفعله ليعينك على الثبات على توبتك من هذه الآفة وهذه الكبيرة؛ هو اختيار الأصحاب، فإن الإنسان يتأثر بالبيئة التي حوله، وهو مدني بطبعه لا بد أن يتأثر بالآخرين، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة إلى أهمية الصاحب، وخاصة للإنسان التائب، وقد جاء في قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، وجاء يسأل عن التوبة، فأرشده العالم إلى الانتقال إلى قرية بها أناس يعبدون الله فيعبد الله معهم، وأنت بحاجة إلى هذه الوصية.
ابحث عن بيئة جديدة، وتعرف على الصالحين، واذهب إلى المساجد، وتواصل بالشباب الطيبين، وستجد منهم من يعينك ويثبتك على طاعتك لربك، وهم كثير و-لله الحمد- وليسوا قلة.
قد أحسنت -أيها الحبيب- حين أدركت بأن العاصي إنما يمثل نفسه ولا يمثل دينه، فالخلل منا وليس من الدين، ونحن نبشرك بأنك إذا صدقت الله تعالى بالتوبة -والتوبة تعني الندم على فعل الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه في الوقت- فإذا صدقت الله تعالى بالتوبة بهذه الأركان الثلاثة، فإن الله يقبل توبتك ويمحو بها ذنبك، فقد قال الرسول ﷺ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
لو قدر عليك بعد ذلك أن رجعت إلى الذنب مرة أخرى، فالواجب عليك هو التوبة من جديد، وهكذا تجدد التوب كلما زللت، ولكن احذر أن يختم لك بخاتمة السوء، فأنت لا تدري متى يفاجئك الموت.
خذ بالأسباب، وتوجه إلى الله تعالى، والجأ إليه أن يهديك ويعينك وييسر لك طاعته، ويبعدك عن المعاصي والآثام، وستجد من الله سبحانه وتعالى اللطف والإعانة.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.