السؤال
السلام عليكم
أنا شخص متزوج، لدي ثلاثة أطفال، و-الحمد لله- أنا شخص متدين، ومحافظ على الصلاة، وأحفظ القرآن الكريم كاملا، وزوجتي ملتزمة، وتحفظ وتتعلم القرآن، ولكن لدي مشكلة حيرتني كثيرا:
كنت أشجع زوجتي على تعلم العلم، وتحفيظ القرآن الكريم، وتعليمه للأخريات، وكنت أفرح بذلك كثيرا، ولكن بعد سنوات أصبحت زوجتي منشغلة طول وقتها ليلها ونهارها بتعلم القرآن وتعليمه بشكل شبه كامل، ففي الصباح تدريس، وفي المساء تدريس، وبين ذلك تتعلم عبر الانترنت، وفي كل وقت تستمع للقرآن، ربما يظن البعض أن هذا شيء رائع، ولكن المشكلة أنها بدأت تقصر كثيرا في أمور البيت، والاهتمام بالأولاد، وبإعداد الطعام، والاهتمام بي كزوج، واحتياجاتي الخاصة.
عندما أتناقش معها تغضب وتقول تنهاني عن القرآن؟! حاولت أشرح لها التوازن بين كل هذا، وحق الزوج والبيت والعائلة فتقول: سعادتي في القرآن.
أنا محتار جدا، والآن أفكر بالزواج من ثانية، وأخاف أن أقصر في حق الأولى، أو أن أحزن قلبها، وصرت أعيش في دوامة من التفكير، فماذا أفعل؟ وبماذا تنصحوني؟ أشعر أني أخاف على نفسي من الانحراف بسبب إهمالها لي كثيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك ولزوجتك الاهتمام بكتاب الله وتعليمه وتعلمه، ونسأل الله أن يلهمكم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أرجو أن تعلم هذه الزوجة أنها على خير، لكن لا بد للمؤمن أن يعرف مراتب الأعمال، وأيها أحق بالتقديم؟ فحق الزوج وحق الأبناء مقدم على نوافل العبادات، لأنه من واجبات هذه الشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها.
أرجو أن تبدأ -أخي الكريم- بالثناء على ما تقوم به الزوجة، وتبين لها أن هذا خير، وأن النبي ﷺ هو الذي نهى عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان يصوم الدهر، ويقرأ القرآن في كل ليلة، ربما مرتين، وقصر في حق زوجته، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: (فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا)، وفي رواية: (وإن لولدك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه).
هذا هو هدي النبي ﷺ، والشريعة لا تقبل التقصير من الرجل أو من المرأة، أن ينشغل بالعبادة والطاعة عن زوجته أو تنشغل بالعبادة والطاعة عن زوجها؛ لأن حق الزوجين مقدم في المعاشرة، فحسن المعاشرة من الواجبات المشتركة التي لا بد أن تكون العناية بها عظيمة، مقدمة على كل النوافل، فتعليم القرآن نافلة، وغيرها من النوافل لا يمكن أن تقدم على الواجبات الشرعية.
ننصح هذه الزوجة بالتواصل مع مركز مريم بنت عمران في دورة المرأة الداعية، حتى تعرف مراتب الأعمال، تعرف ما حقه التقديم، وتنتبه لمثل هذه الأمور، ونكرر دعوتنا لك بتشجيعها وإظهار الفرح بما يحصل منها، واطلب منها بعد ذلك أن تدرس في هذا الباب (مراتب الأعمال).
الإنسان ينبغي أن يدرك، والناس التجار يدركون البضائع التي فيها الربح المضاعف ويحرصون على أن تكون ضمن بضائعهم، كذلك في سيرنا إلى الله تبارك وتعالى لا بد أن نعرف مراتب الأعمال، ونحرص على التجارة التي توصل إلى مرضاة الله، وجنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة في جنات عدن.
النبي ﷺ ترك إحدى زوجاته وهي (جويرية)، وبعض الروايات تقول إنها (أم حبيبة) تركها في الصباح وهي تسبح، فخرج النبي ﷺ إلى السوق، وجاء بعد أن ارتفع النهار، فإذا هي كما هي تسبح، والنبي ﷺ حسن صنيعها وقال: (ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم) فقال النبي (لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).
هنا الذكر خير، لكن معرفة الأذكار المضاعفة، ومعرفة الأعمال التي فيها الأجور الكبيرة من الأمور الأساسية، ومن أعظم الحقوق التي تنال فيها المرأة الأجر خدمة الزوج، لقوله ﷺ لخطيبة النساء أسماء بنت يزيد بن السكن: (اعلمي وأعلمي من وراءك من النساء: أن حسن تبعل المرأة لزوجها واتباعها موافقته ومرضاته، يعدل ذلك كله)، وفي رواية: (إن طاعة الزوج تعدل ما هنالك، وقليل منكن تفعله).
إنه خطاب النبي ﷺ لخطيبة النساء، التي جاءت تتكلم عن سبق الرجال في الجمع والجماعات والجهاد، وقالت: نحن قاعدات، نحن نخدم في البيوت، نحن كذا، قالت: (يا رسول الله إني وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال؛ فإن نصبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معاشر النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك؟) فبشرها بأن ما تقوم به المرأة من خدمة زوجها وأولادها يعدل ما هناك، من جهاد واستشهاد في سبيل الله.
ما أحوجنا إلى أن نفهم هذا الدين؛ لأن قضية هذا الدين ليست قضية حفظ فقط، ولكن الإنسان ينبغي أن يفهم هذه الشريعة -كما قال ابن عباس- فنقدم ما حقه التقديم، ونؤخر ما حقه التأخير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في الدين.
أرجو ألا يكون مشروع الزواج الثاني لمثل هذه الأسباب؛ لأن الزواج من شريعة الله، والإنسان دائما إذا أراد أن يتزوج يجعل هذا المشروع واضح المعالم، وكذلك ينبغي أن يحرص على إسعاد بيته الأول وترتيب الأمور، ونتمنى من الله تبارك وتعالى أن تجد هذه الزوجة من يبين لها الأمور، وبعد ذلك إن استطعت أو أردت أن تتزوج فهذا أمر متروك لك.
لكن نحن دائما نريد أن يكون مشروع التعدد مشروعا مدروسا، والإنسان ينبغي أن يتيقن أنه يستطيع أن يقيم العدل ويقيم الأمور على وضعها الصحيح.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعين هذه الزوجة على فهم المطلوب، وأن يعينك على إعانتها على كل خير.