السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دكتور محمد: سأحاول أن أشرح لك بالتفصيل لعلك تستطيع مساعدتي.
نصحتني بالذهاب للطبيب ورفض أهلي، والله المستعان، فبعد وصول رد حضرتك بيوم مررت بحالة سيئة جدا، حزن وفرح في نفس الوقت، مزاح هستيري لا أتحكم به، أفكار كثيرة لا أفعلها، حماسة ثم فتور، اجتماعية ثم انعزالية، استمر هذا أكثر من أسبوعين، لا أفهم ما هذا!
الأمر كله بدأ قبل سنة، كنت مقبلة على الحياة بطبعي، ثم فجأة حدث حزن، تشويه جسدي، شعور بأني غير جديرة بالاحترام، إهمال لكل شيء، حتى العبادة والدراسة، استمر هذا كثيرا، وفترات كنت جيدة، وبعد ذلك كان هناك تقلب بسيط جدا.
في أغسطس الماضي شعرت أنني أصبحت منحرفة، وعندي كاريزما عالية، وأسهر طوال الليل، واجتماعية، وأصبح عندي تساهل في الحديث مع الرجال، وربما خلعت الطرحة وأنا أرى رجالا أمامي، ولم أكن أشعر بندم أثناءها، بل سعادة غامرة، وسماع أغان، وأرقص معها، استمر هذا أقل من شهر، ثم بعده أصابني حزن إلى هذه الفترة.
دكتور محمد: شرحت كل شيء دون مبالغة، ولي بعض الأسئلة، هل يندرج ما وصفته تحت الطبيعي؟ وهل إدراكي لتقلباتي دليل على أنني لا أعاني من ثنائي القطب؟ لأن المرضى لا يدركون، هل توجد طريقة تمنعني من تشويه جسدي؟ هل آخذ تعليقات الناس مثل: (أنت مهيبرة، اهدئي، كيف تتكلمين هكذا، أنت تراجعت في الدراسة)، في النهاية أنا شخصية مثقفة جدا، ومتدينة، ومهذبة بطبعي، وأتعامل بذوق مع الناس، وواقعية، لا أعرف كيف أصابني هذا! وأنا يا دكتور محمد قرأت عن أعراض ثنائي القطب، ولم أشعر أنها بي.
أشكرك على وقتك، وأتمنى أن تستطيع مساعدتي، وأرجو الإجابة عن جميع أسئلتي، وجزاك الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب.
اطلعت على رسالتك هذه بكل تفاصيلها، وقد نصحتك في الاستشارة السابقة بالذهاب إلى الطبيب، وطبعا هذه النصيحة كانت على أسس أراها ضرورية، والآن رسالتك هذه تعكس وبوضوح تام أنه لديك اضطرابات وتقلبات مزاجية واضحة جدا، وهي التي تدفعك لما ذكرت من تصرفات، لدرجة أن البعض قد وصفك بأنك مهيبرة (Majestic)، بمعنى أن مزاجك مرتفع لدرجة مفرطة مما أخرجك عن الضوابط الاجتماعية المعروفة.
أنا لا زلت عند رأيي أن مقابلة الطبيب ستكون مفيدة جدا لك، وبالنسبة لتشخيص الحالة: حقيقة الاضطرابات الوجدانية والاضطرابات المزاجية في مثل عمرك قد يكون أمرا عارضا، وهذا هو الغالب، لكن في ذات الوقت ربما يكون تعبيرا عن حالة مختلطة من درجة بسيطة من ثنائية القطب، وهذا أصبح الآن أحد التشخيصات التي يجب أن نركز عليها، وأنا وجهت لك الإرشاد اللازم في الاستشارة السابقة، وتحدثت أيضا عن ثنائية القطب، وعن التاريخ الأسري وأهميته في تسبيب هذه الحالة، وهذا كله قد تعرضنا له.
الذهاب إلى مقابلة الطبيب ضروري، أراه مهما جدا في حالتك، وأنا لا أريدك حقيقة أن تضيعي وقتك؛ لأن التدخل المبكر -خاصة إذا أثبت أن لديك أي نوع أو أي درجة من ثنائية القطب- سوف يكون مفيدا جدا.
ومن وجهة نظري أن مثبتات المزاج ضرورية في حالتك، وأنت تحتاجين لها بجرعة صغيرة ولمدة قصيرة؛ هذا لا يعني أنني على قناعة مطلقة بأ لديك ثنائية القطب، لكن طبعا هنالك شكوك تحوم حول هذا الأمر، وكما ذكرت لك تشخيص ثنائية القطب نفسه أصبح فيه تعقيدات كثيرة جدا، وأنا حقيقة أنتهج منهج المدرسة التي تميل إلى التدخل المبكر، حتى وإن كانت نسبة الشكوك ضئيلة 30% مثلا، أنا أحاول دائما أن أعطي علاجا لمدة قصيرة، مع المتابعة اللصيقة للحالة، وهذا -إن شاء الله تعالى- أدى إلى نتائج جيدة جدا.
فأرجو أن تذهبي إلى الطبيب، وهذه نصيحتي لك، وأرجو أن تفيديني بعد مقابلة الطبيب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم (استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان)
وتليها إجابة الدكتور/ أحمد المحمدي (المستشار التربوي).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:
فإننا ننصحك مع كلام سعادة الدكتور/ محمد بعدة أمور:
1- أخطر ما في الأمراض النفسية أمران:
- الاستسلام لها.
- تبرير السلوك الخاطئ، وتحميله على المرض.
ونحن نحذرك -أختنا- من الأمرين معا، لا تستسلمي لهذا المرض، ولا تتصوري أن إظهار ضعفك له علامة صحية، بل عليك مقاومته بالطرق الطبية والنفسية، أما الطبية فلا بد من زيارة طبيب كما تفضل الدكتور، وأما النفسية فلا بد من شحذ نفسي هائل، ودعم معنوي ذاتي قائم على إقناع العقل اللاوعي أنك بخير، وأن هذه مرحلة عارضة، وأنك قادرة على تجاوزها، مع ضرورة اندماج اجتماعي في محيط آمن من الأخوات الصالحات، سواء من أهلك أو من أهل المساجد، هذا سيكون داعما قويا.
أما النقطة الثانية فهي: تبرير الأخطاء السلوكية بدعوى المرض، أو عدم المقدرة؛ هذا لا ينبغي أن تركني إليه، فأنت مؤمنة ومتدينة، وتعلمين قطعا حرمة التساهل في الحديث مع الرجال، أو نزع الحجاب؛ فهذه أمور محرمة ويجب عليك مقاومتها، وما السعادة التي شعرت بها عند فعل هذا المحرم إلا وليدة وساوس شيطانية، يريد أن يشير إليك بأن الخروج من مشاكلك تكون بهذه الوسيلة المحرمة، فاحذري خطواته -بارك الله فيك-.
2- كما ننصحك -أختنا- بالمحافظة على أذكارك؛ فهي الحصن الحصين من الشيطان، اجتهدي في المداومة على الأذكار عموما، وعلى أذكار الصباح والمساء والنوم خصوصا، واجعلي لك وردا ثابتا ولو قليلا من القرآن، مع المحافظة على الفرائض في أوقاتها، فإن هذا داعم قوي لك.
وأخيرا: لا تهملي الدعاء، بل أكثري منه، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يرفع عنك ما حل بك، والله الموفق.