السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول المشائخ دائما أن الزواج رزق، وأن دعاء الإنسان وحسن عمله يوفقه إلى هذا الرزق متى شاء الله، ولكن لم أفهم المقصود منه، نعم، الزواج رزق، لكن من قال أن الله هو الذي قدر هذا الرزق، وأن هذا ليس وقته؟ بمعنى أني لو أطلقت لنفسي جميع السبل المتاحة، كأن يهاجر بعض الشباب لدول أجنبية لتحصيل الرزق والمال، ثم يعودون ويتزوجون، ويكملون عملهم في بلادهم، أو يسافرون ويعودون بين كل فترة وفترة.
هل أنا كأحمد، طالب في كلية الطب، لا يمنعني أن أفعل مثلهم؟ لو فرضنا أن الفرص متاحة، وأني أختار بحرية، كأن أفعل ما فعلوه مثلا..
هل لأن ربنا لم يأذن بعد، أم أننا من نفعل هذا بأنفسنا! بنفس هذا المنطق كيف هاجر الصحابة تاركين مالهم وأهلهم؟ وكيف ترك عبد الرحمن بن عوف ماله وعمل في السوق حمالا؟ ألم يخجل كما نظرتنا الفارغة لأنفسنا؟ كيف كان هؤلاء يتصرفون بكل حرية؟ كيف كانت جميع الخيارات متاحة لهم؟ هل المشكلة تكمن فينا نحن، ونحن الضعفاء؟
أعلم أن الزواج ليس جنة، ولكن تعلم أن الشباب يعانون، ومع كل ذنب تفعله تكره نفسك، وتجد أنك كان بإمكانك أن تتزوج زميلة لك، وتنهي كل هذه الأوهام الغبية!
أعلم أن أغلب أهل البلد لا يجدون الطعام إذا لم يكن لديهم عمل مناسب، أو أكثر من مهنة، وكلما نشتكي ونسأل تقولون حديث: (من لم يستطع فعليه بالصوم)، فهل يعني هذا أن كل هؤلاء الشباب لم يستطيعوا؟ وهل يعني أن كل الشباب الذين يعملون في المطاعم وسائقي الأجرة لم يستطيعوا كذلك؟ ماذا يجب على كل هؤلاء أن يفعلوا ليستطيعوا الزواج؟ ولماذا تزوج الصحابة بخاتم من حديد؟
ما توجيهكم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:
حديثك -أخي- متداخل بصورة متشابكة، لذلك دعنا نرتب الإجابة غير متقيدين بتسلسل الأسئلة، أو بتداخلها:
أولا: هل الإيمان بالقدر يوجب على العبد الاستسلام وعدم التحرك؟ بالطبع لا، بل الإيمان بالقدر يوجب على الإنسان استنفاذ جهده كله للوصول إلى ما يريده من المباحات الشرعية، وعليه: فالواجب على الشاب الذي يريد الزواج للعفاف بذل كل جهده، والعمل بكل طريقة للزواج دون أن يرتكن على وهم يفرض عليه القعود أو التكاسل، وهذا ما فهمه الصحابة حين قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار)، فقال بعضهم: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى).
ثانيا: يستحيل أن يوجد قط تعارض بين حديث صحيح وعقل صريح، وإنما يحدث الخلل من أحد ثلاثة:
- إما الاستدلال بالحديث الضعيف.
- أو الاتكاء على الفهم السقيم.
- أو ضعف العقل عن مراد الشارع الحكيم.
مثلا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، هو أولا صحيح، لكن البعض فهم منه أن الصوم هو العلاج الوحيد لمعالجة ضعف النفس، وهذا خلل في الفهم، فالحديث يبدأ بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (من استطاع)، وعليه فالأصل في الإسلام لمعالجة الشهوة هو السعي إلى الزواج، وبذل كل الجهود في ذلك، واستفراغ الوسع والطاقة، ولا يحاسب التشريع؛ لأن البعض منا عسر ما يسره الله تعالى في مسائل الزواج، فالمشكلة تقع على من شدد لا فيمن شرع، فإذا فعل الشاب ما عليه وعجز، وأصبح بين سطوتين: سطوة الشهوة التي ترهقه، وسطوة العجز الذي يضعفه.
هنا المعالجة الشرعية بالصيام؛ ليقاوم سطوة الشهوة فتخف، أو تضعف سطوتها، ليستطيع مع الصيام بدء محاولات جديدة، والانشغال بوسائل مغايرة حتى يتزوج، فإذا فهمت جيدا ما مضى تعلم قطعا أن الصيام ليس العلاج الأصلي أو الأول، بل هو العلاج الطارئ والعارض لمن اجتهد وعجز.
ثالثا: هناك فارق بين من ارتضى الخمول، وارتكن للكسل، وأراد أن يتخذ من الدين وسيلة لتبرير أفعاله، وهذه مشكلة ذاتية، أي مع نفسه لا مع الدين.
وفي الختام ووفقا لما قررناه آنفا؛ فإن الحديث عن أن الزواج رزق لا يتعارض مع السعي إليه، بل العبد مطالب بالسعي وبذل كل الجهد للوصول إلى ما يريد، يفعل ذلك ونصب عينيه قول الله: (فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى)، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.