السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا تعبت من الوسواس، أعلم جيدا أنه أمر اعتدتم سماعه، وأن ما ستردون به علي أكثر وضوحا لكم من الشمس ربما، لكن لا إجابة تكفي، وكأنه مهما فهمت وقرأت وسمعت، دائما سيجد عقلي تفاصيل تجعلني أشك بها.
سؤالي: ماذا أفعل لكي أوقف الوسواس تماما؟ ستقولون التجاهل، ولكن أنا لا أستطيع التجاهل، هل هناك شيء آخر تنصحوني به؟
قلتم إن اليقين لا يزول بالشك، فأصبحت أتصور اليقين، وكأن الأمر قد حدث، لكن بسبب وجود درجة من الشك أحاول تجاهله، فأحس بتأنيب ضمير يشلني عن الحياة.
دراستي تضيع، صلواتي لا تسألوا عنها، وكل شيء، أنا خائفة، ولم يتبق مني غير الخوف، وصوت أمل خفيف يقول لي: إن الله يقدر على أن يزيح ألمي هذا إن شاء جل وعلا، ولكن أيضا هناك صوت شيطان مهما استعذت منه يعود، يقول: إن الله غاضب منك، وإنك لست شخصا يستحق الشفاء، فهكذا أو هكذا إن شفيت ستعودين للخطأ.
وتحدثني نفسي بأن أيام الأخطاء كانت أسهل من هذه الوسوسة، وأنها أوقفتني عن الأخطاء، فانشغلت بها تاركة كل شيء قلت أو زادت أهميته، لكن أعلم أن كل هذا هراء، ونحن عباد الله يهدينا كيف ما يشاء.
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يحفظك، وأن يبارك فيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
أخطر ما في الإنسان هو الشعور بالعجز، وأمضى أسلحة الشيطان:
- الوهم بعدم القدرة على التغيير.
- اليأس من رحمة الله تعالى.
هذان وتران حساسان يعمد الشيطان إليهما للسيطرة على الإنسان حتى يعيش هذا الوهم الكبير؛ ولذا أول خطوة صحيحة على طريق عافيتك أن تعتقدي ما يلي:
2- الله أرحم بك من أبويك، وباب التوبة مفتوح لا يغلق، والله لا يرد عبدا أتاه تائبا، وإن كانت ذنوبه مثل الجبال، فالله يقول في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة).
فالتائب -أختنا- حبيب الله سبحانه وتعالى، أخبر الله بذلك فقال: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى يفرح بتوبة العبد، فقال: (لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد والظمآن الوارد والعقيم الوالد)، فلا تيأسي من رحمة الله، ولا تقنطي من روحه، فرحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شيء، كما أخبرنا في كتابه الكريم، قال: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}، وأحسني الظن بربك، فالله عند ظن عبده به.
3- أن تعلمي أن الوسواس ضعيف، وأنه لا يملك إلا الحديث إليك، والحديث والوسوسة لا تحرك ثابتا، ولا توقف متحركا، وإنما يبدأ الأثر منك حين تعتقدين صحة حديثه وكثرة هرائه؛ ولذلك نقول دائما، الوسواس لا يتحكم إلا في اثنين:
1- من استرسل في التعامل معه.
2- من لم يفهم طبيعته، فاعتقده صوابا.
كلا السببين يلعب بهما الشيطان لعبا في ضحيته، ويدخلها في دوامة الخروج منها ما يحتاج إلى الوقوف ابتداء على هاتين النقطتين، ثم بعد ذلك تجاهله واحتقاره وازدرائه وعدم الاهتمام به، هذا أول ما ينبغي عليك فعله، فإن قلت كيف؟ نقول لك:
1- أعيدي القراءة مرة أخرى لتقتنعي تماما بما مضى.
2- كرري بصوت مسموع: هذا وسواس سخيف، والله لن يحاسبني عليه.
3- ابتعدي عن الفراغ، وخاصة الفراغ الذهني، اجعلي دائما عقلك مشغولا إما بحفظ قرآن، أو مراجعته، أو مذاكرة، أو قراءة، أو عمل من أعمال البيت، المهم ألا يكون فارغا قط.
4- المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم.
5- الصحبة الصالحة؛ فهي معين قوي على الاستمرار.
6- العلم، أو سؤال أهل العلم، فلا تسمحي لنفسك أن تجيبي، ثم تجعلي من الإجابة قاعدة تتحكم فيك، فقد تكون فتواك خطأ فتقعين في دوامته.
الأخت المباركة :اليقين هو الشيء الذي تم قطعا، والظن هو ما لم يصل إلى اليقين، وإن بلغ ما بلغ.
مثال: أنت توضأت: هذا يقين، الظن: بعد أن أنهيت الصلاة شككت بنسبة 99% في أني لم أغسل وجهي! هذا ظن؛ لأنه لم يبلغ حد اليقين، وعندها تعمل القاعدة: اليقين لا يزال بالشك.
وأخيرا: اعلمي أن الله لن يحاسبك على ما يقذفه الشيطان في رأسك مما ليس لك فيه يد، بل سيأجرك الكريم على معاندة الشيطان ومواجهته، فأملي في الله خيرا، واعلمي أن الله تواب رحيم عفو ودود، فأقبلي عليه واستعيني بالله، ولا تستسلمي لوساوس الشيطان.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.