ارتكبت بعض الذنوب لأهرب من الواقع، فكيف أتوب؟

0 25

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في الثامنة عشر من عمري، وأنا حاليا في سنة مصيرية من حياتي.

قبل عام أظن أنني قد أصبت بالعين؛ فقد كرهت دراستي، وصرت لا أرغب بالذهاب لدروسي، وأصبت بحالة اكتئاب شديدة، ولكي أهرب من الواقع الذي أمر به اقترفت العديد من المعاصي والذنوب، وقنطت من رحمة الله، ولم أتخيل يوما أن أكون كذلك.

ثم تاب الله علي في شهر رمضان، وكانت هذه فرصة كبيرة لي، وأكثر غنيمة فزت بها هي الإكثار من ذكر الله، ومن تلاوة القرآن، حتى أصبحت -بفضل الله- مجودة للقرآن دون دراسة للتجويد، وتأكدت من كون قراءتي صحيحة بعد عرضها على المعلمات؛ بمعنى أنني رأيت خيرا كثيرا بعد توبتي وعودتي إلى الله.

ولكن بعد نزول الدورة الشهرية، ابتعدت عن أذكاري، وعن تلاوتي للقرآن، واقترفت المعاصي، ونسيت فضل الله علي، وتركت فروضي لمدة يومين، وأصبحت أشاهد الأفلام والمسلسلات مرة أخرى، ولا أبالي لمستقبلي؛ وكأنه أصابني شيء من اللامبالاة، والتسويف، وصرت أرتكب الذنب، ولا أندم بشدة مثل قبل، ولا أعلم هل طبع الله على قلبي أم لا، وعندي شعور في داخلي بأنني -وإن ذاكرت واجتهدت- فلن يعطيني الله ما أتمناه من التوفيق والنجاح في الدراسة بسبب ذنوبي، وأنه لن يعينني على فعل الطاعات!

أخاف أن يمن علي الله من فضله فأغتر بداخلي كما اغتررت من قبل، فيعاقبني الله، حقا سأندم ندما شديدا إذا لم أحقق ما أتمناه؛ بسبب معرفتي بقدراتي التي من الله علي بها، ولكنني لم أستغلها حق الاستغلال.

آسفة على الإطالة، أفيدوني أفادكم الله من علمه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:

فقد أصابنا الحزن لما وقعت فيه، وأنت الفتاة المتدينة، المحبة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والتي أنعم الله عليها بنعم كثيرة، ليس أقلها تلك الكتابة المنمقة التي تشير إلى أديبة ناهضة، لو أحسنت القراءة والتفرغ للعلم والمعرفة.

وكذلك أكرمك الله عز وجل في شهر رمضان بقراءة القرآن قراءة متقنة -كما ذكرت-، وهذا إنجاز كبير يدركه من يجلس في حلقات القرآن لسنوات، حتى يتقن قراءة القرآن قراءة مجودة.

أفبعد هذا الفضل -أختنا-، وبعد التوبة إلى الله عز وجل، والاقتراب منه، تعودين إلى ما منه فررت وهربت!

إننا قد نتفهم أنه يقع من لم يذق طعم الإيمان، ولم يستشعر نعيم الطاعة في المعاصي، أما من ذاق طعم العبودية، وقراءة القرآن، وعرف طريق الرشاد، والهداية، وسبل التيه، والغواية، كيف له أن يفضل الخبيث على الطيب؟

دعينا ابتداء نقول لك ما يلي:

- الرجوع إلى الله عز وجل بابه مفتوح، فلا يستدرجك الشيطان بقوله لك: "قد طبع الله على قلبك"، هذا غير صحيح، فاطمئني من هذه الناحية.

- الشعور بعدم الندم كما في المرة الماضية أمر طبيعي؛ لأن القلب إذا اعتاد المعصية ضعفت عنده الرقابة، وقل لديه الندم، ولكن هذا ليس آخر المطاف، فإنه متى ما عاد صادقا لله عز وجل فإن الله سيقبله، وسيعود كما كان، ولكن بعد فترة من غسيل الران الذي أصاب بعض قلبه، وفي هذه الفترة -نعني فترة التوبة- لا بد أن يبتلى، ولا بد أن يصبر، حتى يري الله من نفسه صدقا وثباتا.

- الله وضع سننا كونية في الأرض لا يتخلف منها أحد، فإن من زرع حصد، وهذا يعني أن غير المسلم، والمسلم، بل والمتدين في هذا الأمر سواء، فإذا اجتهد غير المسلم في مذاكرته، وأهمل المتدين مذاكرته، فإن التوفيق في الدنيا يكون لغير المسلم، لذا تجنبي أن تكون عودتك إلى الله لأجل التوفيق في الدراسة فقط، بل اجعلي العودة إلى الله حبا في الله ورسوله، وسيأتي بعد ذلك ما تحبين تباعا.

- إننا نوصيك بما يلي:

1- بأن تدرسي دراسة متأنية للأسباب التي جعلتك تعودين إلى المعصية بعد الثبات على التوبة، والاجتهاد في إزالتها.

2- البحث عن رفقة صالحة مأمونة من الأخوات الصالحات، والانخراط معهن؛ فإن من أفضل المعينات على الطاعة الصحبة الصالحة.

3- لا بد من عمل مضادات إيمانية لك كلما حدثتك نفسك بالمعصية، وتذكري مثلا ساعتها عواقب المعصية من زوال النعم التي يعيشها الإنسان؛ فإن النعم مدمرة مزالة بسبب ذنوب أصحابها، وإن كفران النعمة بارتكاب المعاصي سبب أكيد لزوالها.

4- إياك والشريك الخائن: ونعني به النفس؛ فلا تأمني أبدا لنفسك، وقولي لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكريها بموت فلانة وفلانة.

5- اجعلي لنفسك وقت خلوة مع الله عز وجل، ولا يهم طول الوقت من قصره، ولكن المهم أن يكون وردا ثابتا لك.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات