السؤال
كان لدي إيمان قوي، وكنت أتعرض للكثير من الضغوط النفسية أثناء الامتحانات النهائية، خاصة الوساوس، بعد أن انتهيت من الامتحانات ارتحت قليلا، لكن قبل صلاة الفجر بيوم واحد، ذهب إيماني فجأة، وكأن قلبي مات، ظننت أنها وساوس، فحاولت دفعها كالعادة، لكن لم تكن وساوس، شاهدت الأدلة وغيرها لأعيد الإيمان من جديد، وفعلا عاد إيماني، لكن بعد يوم ونصف عدت إلى نفس الحالة.
مضى شهران على الأمر، وطوال هذه المدة يعود إيماني قليلا ويذهب، علما أنني منذ ست سنوات أصبت باختلال الأنية وإلى الآن أعاني منه، ولكن زادت حدته عما مضى.
أتحسن في بعض الأحيان، خاصة بعد الراحة النفسية، ولكنه يزداد عندما أضطرب، أؤكد لكم أن هذه ليست وساوس.
أرجوكم: أريد حلا سريعا ليعود إيماني كما كان، أخاف الموت على هذه الحالة، رجاء، لا تحيلوني إلى فتاوى أخرى.
أرجوكم: أسرعوا، قلبي يتقطع!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بلال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
أخي: الظاهرة التي تحدثت عنها، والتي تتمثل في الشعور الذي يأتيك أن إيمانك قد ضعف، أو قد ذهب، هي جزء من اضطراب الأنية، وليس من الضروري أن تكون وساوس، فيها شيء من صيغة ومحتوى الوساوس، لكني أميل -وأنا على درجة عالية من اليقين- أنه نوع من اضطراب الأنية، حيث إن اضطراب الأنية في مجمله يؤدي إلى انفصال الشخص عن واقعه.
وهذا الانفصال من الواقع قد يكون في شكل فقدان الإنسان أشياء جميلة بالنسبة له، وطبعا ليس هنالك ما هو أجمل من الإيمان.
ما تعاني منه جزء من اضطراب الأنية، ويعالج أيضا بالتحقير، بصرف الانتباه عنها، وأن تجري حوارات ونقاشات إيجابية مع نفسك، أن هذا الأمر يجب أن لا يشغلك، وأنه سوف يذهب، وتشغل نفسك بما هو مفيد، من حيث العمل، وإيجاد المهارات، وكذلك حسن إدارة الوقت، وتتجنب السهر، وتنام مبكرا ليلا، وتستيقظ وتصلي الفجر، وبعد ذلك يمكن أن تدرس لمدة ساعة مثلا قبل أن تذهب إلى الجامعة؛ هذا يجعلك في وضع مريح جدا من الناحية النفسية.
وكما تفضلت وذكرت، إن حالات اضطراب الأنية دائما تظهر مع الضغوطات، ومع المزاج النفسي السلبي، وممارسة الرياضة مهمة جدا لك، ممارسة تمارين الاسترخاء بكل أنواعها، شد العضلات وقبضها، التنفس المتدرج، التأمل، التدبر، هذه كلها مهمة جدا، وحين ممارسة هذه التمارين لا بد أن يكون هنالك نوع من التنبيه العصبي الإيجابي، وذلك من خلال إجراء حوارات إيجابية مع الذات، هذا هو الذي أود أن أوضحه لك.
وطبعا تناول أيضا أحد الأدوية السليمة، ربما يكون مفيدا جدا لك، نعم، تناول دواء مثل السيبرالكس مثلا بجرعة صغيرة سيفيدك كثيرا، والجرعة هي أن تبدأ بنصف حبة، أي 5 ملجم يوميا، لمدة 10 أيام، ثم بعد ذلك تجعلها حبة كاملة، أي 10 ملجم يوميا، لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعلها 5 ملجم يوميا، لمدة 10 أيام، ثم 5 ملجم يوما بعد يوم، لمدة 10 أيام أخرى، ثم تتوقف عن تناول الدواء؛ هذا قطعا سوف يجعلك تعيش شيئا من الهدوء النفسي، ويزيل عنك الخوف، وحتى المخاوف من الموت سوف تزول تماما -إن شاء الله-.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
___________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة د. أحمد المحمدي المستشار التربوي:
__________________
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معك، وإنا لنسأل الله أن يرزقك قلبا تقيا نقيا خالصا لله عز وجل.
نرجو أن تأخذ بكلام سعادة الدكتور/ محمد عبد العليم على محمل الجد، وأن تعلم أن هذا عارض، وسيزول بأمر الله، كما نوصيك وأنت تتابع سعادة الدكتور أن تعلم ما يلي:
- أن الصراع بين الشيطان والمؤمن قائم لا يزول إلا بالموت، وعليه فلا بد من توقع محاربته لك، بل واجتهاده في أذيتك بكل ما يستطيعه، فاتخذه عدوا ولا تستسلم له.
- القلب محط نظر الله تعالى إليك، ومتى ما صلح انعكس هذا على البدن طاعة وعبادة، وكلما خلص لك القلب ضعف تسلط الشيطان عليك؛ لذا عليك ابتداء أن تزيد من الطاعات التي تصلح لك القلب.
- للقلب درجات يرتقى إليها، آخرها تذوق العبادة ووجود لذتها حسيا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "ذاق طعم الإيمان" وهذا التذوق يحتاج إلى أمرين:
1- طريق مستقيم على منهاج السنة.
2- وصبر على طول الطريق، فقد قال سفيان الثوري -رحمه الله-:"جاهدت نفسي على قيام الليل أربعين سنة حتى وجدت لذته"، فالأمر إذا يحتاج إلى صبر، وعمل، وأنت في هذا الطريق مأجور على كل ما تفعل إذا كنت تسير على الطريق الصحيح، يقول ابن القيم: (إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص، ومتابعة سيد الناس، أثمرت كل أنواع الثمار، وأتت أكلها كل حين بإذن ربها، فهي شجرة أصلها ثابت في قرار قلب المؤمن، وفرعها متصل بسدرة المنتهى)، وحتى تتحقق فيك هذه المعاني لابد من مراجعة الطريق الصحيح إلى الله جيدا، ونلخصه لك في النقاط التالية :
أولا: التعرف الحق إلى الله عز وجل:
إن أول ما ينبغي عليك تعلمه في الطريق إلى الله: تعرفك إلى الله عز وجل بأسماء جلاله وصفات كماله، ليمتلئ قلبك بالحب والخشية معا، يقول ابن القيم: (جميع ما يبدو للقلوب من صفات الرب سبحانه وتعالى يستغني العبد بها، بقدر حظه من معرفتها، وقيامه بعبوديتها) فإذا تعرفت إلى الله حقا: شعرت بدفء القرب منه، وتفجرت ينابيع الخير في قلبك لتجد حلاوة طاعتك شاهد حق بين يديك.
ثانيا: التعرف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بدراسة سيرته ومعرفة أخلاقه ومعجزاته؛ ليتولد في داخلك حبه والاقتداء به.
ثالثا: تدبر القرآن: من أهم أسباب زيادة الإيمان: تدبر كلام الله عز وجل، وقد ذكر القرآن أن التدبر من صفات المؤمنين الصادقين: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}، ولأهمية التدبر في حياة المسلم أمر الله عز وجل به فقال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}، وطريقة التدبر لخصها وسبر أغوارها الإمام ابن القيم فقال: (إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به -سبحانه- منه إليه؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله، قال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}).
رابعا: كثرة النوافل:
من أهم طرق النجاة والوصول إلى محبة الله بعد القيام بالفرائض على وقتها: الإكثار من النوافل، وخاصة قيام الليل، وصوم الاثنين والخميس، والصدقة، وكل أعمال البر تزيد الإيمان في القلب: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن سألني لأعطينه)، صحيح البخاري.
خامسا: كثرة ذكر الله تعالى: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)...
كما نوصيك بالصحبة الصالحة؛ فإنها معين لك على تجاوز عقبات الطريق، افعل هذا -أخي الحبيب- واجتهد أن تكون النوافل بينك وبين الله، وبخاصة في قيام الليل، وسل ربك وأنت بين يديه أن يحيي قلبك بطاعته.
استمر على ذلك، وستجد العقبى -إن شاء الله خيرا-، والله الموفق.