السؤال
أنا بعمر ١٧ سنة، أعاني من السمنة، ودائما الناس -بل أقرب الأشخاص إلي- يقولون كلاما عن شكلي وجسمي ومظهري، وبالنسبة لهم فالكلام يرونه لا يجرح، ولا يحسون بتأثيره على نفسيتي.
صرت لا أحب أن أجتمع مع الناس، ولا أقابلهم، سواء من القرابة أم من غيرهم، وأميل إلى العزلة والبكاء، ودائما نهاية كل يوم أبكي، والكلام الذي يقولونه لي لا أستطيع أن أنساه أبدا، وأظل أفكر فيه بشكل متكرر.
علما بأني حاولت أن أغير من شكلي ومظهري، لكن لا زالوا يتلفظون بكلام يسيء إلي، ولقد تعبت من هذه الألفاظ منهم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.
بداية: أحسنت بسؤالك عن هذه القضية بشكل مبكر؛ لأن التنمر مشكلة خطيرة، تنعكس بشكل سلبي على الإنسان، وقد تؤدي إلى الاكتئاب، وضعف الإنتاجية.
علاج هذه المشكلة ينقسم إلى شقين: الأول يتعلق بالأسرة والبيئة المحيطة، والثاني يتعلق بك أنت شخصيا.
الشق الأول: دور العائلة والبيئة المحيطة:
أولا: الوعي بخطورة التنمر: يجب على العائلة والأفراد المحيطين إدراك أن الكلمات المؤذية والتعليقات السلبية مهما بدت يسيرة، قد تترك أثرا عميقا في النفس، يصعب تجاوزه؛ لذلك نهى الإسلام عن مثل هذه العبارات، ولو كانت مزاحا، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وأيضا حديث (كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) رواه أبو داود.
ثانيا: التشجيع الإيجابي: من الضروري تقديم الدعم والتشجيع عند كل محاولة لتجاوز الأخطاء أو عند تحقيق أي تقدم، مهما كان التشجيع صغيرا، فله دور كبير في تعزيز الثقة بالنفس عند الآخرين، وكما أن التشجيع كلمات إيجابية، فالذم والتنمر أيضا كلمات سلبية، لها تأثير سلبي ومدمر في النفس.
ثالثا: التركيز على النجاحات، التركيز على الجوانب الإيجابية في شخصية الفرد وتنميتها لتكون أساسا لانطلاقه نحو نجاحات أخرى، وهذا يساعده في تحقيق الشعور بالذات والاستقرار النفسي.
الشق الثاني: دور الشخص المتنمر عليه:
في الحقيقة، يقع الدور الأكبر على عاتق الشخص المتنمر عليه، خاصة إذا كانت الشخصية حساسة، فالكلمات السلبية قد تتحول إلى دوامة من التفكير السلبي وفقدان الثقة بالنفس. ولهذا نقدم لك أختي الفاضلة مجموعة من النصائح التي نسأل الله أن يعينك على تطبيقها فيما يلي:
أولا: ركزي على جوانب نجاحك وتميزك، ابحثي عن كل ما حققته من نجاحات وإنجازات، سواء في الدراسة أو الأنشطة المختلفة، وقومي بإبراز هذه النجاحات –مثل عرض شهادات التقدير أو الجوائز– لتكون دائما أمامك، فهذا يعزز التفاؤل والثقة بالنفس، ويبعد عنك الأفكار السلبية.
ثانيا: احرصي على الإنجازات الصغيرة، حاولي تحقيق إنجازات يومية بسيطة، مثل: أداء صلاة الفجر في وقتها، حفظ آيات من القرآن الكريم، مساعدة محتاج أو التصدق، قراءة كتاب نافع، المشاركة في الأنشطة التطوعية والخيرية؛ هذه الأعمال قد تبدو يسيرة، لكنها ذات تأثير عميق في تعزيز الثقة بالنفس، والشعور بقيمة الذات.
ثالثا: تقبلي نفسك كما أنت، وتذكري أن الجمال مفهوم متنوع، وأن لكل شخص عيوبا ومميزات، فالكمال لله وحده، ركزي على جوانبك الإيجابية، وتذكري أن الأخطاء يسيرة، ويمكن تجاوزها، مقارنة بالإيجابيات الكثيرة.
رابعا: طوري مهاراتك، اجتهدي في تنمية المهارات التي تتفوقين فيها، واكتساب مهارات جديدة تساهم في تطوير ذاتك، اجعلي إنجازاتك الكثيرة مصدر فخر واعتزاز؛ حتى يخجل من ينتقدك أو يذكرك بنواقصك.
خامسا: استبدلي الأفكار السلبية بالإيجابية: لا تتركي المجال للأفكار السلبية للاسترسال؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى تضخيمها، عند مرور أي فكرة سلبية، أشغلي نفسك بشيء نافع ومفيد، مثل: قراءة القرآن الكريم، أو الاستماع إليه، ممارسة الرياضة أو هواية مفضلة، القراءة أو التعلم؛ هذا يساعدك على إيقاف التفكير السلبي والخروج من حالة الإحباط.
أختي الفاضلة: تعاملي مع التنمر بحزم وثقة؛ لأن ردود الأفعال الضعيفة قد تشعر المتنمر بتأثير كلماته عليك، تذكري دائما أن الإنسان بعقله وقلبه وإنجازاته، وليس بشكله أو مظهره.
اجتهدي في تحسين علاقتك بالله تعالى، وأكثري من الدعاء وتلاوة القرآن الكريم، وحفظه، فاللجوء إلى الله يبعث الطمأنينة في القلب، ويريح النفس، ويدفعك نحو الإنجاز والتفوق، ويعزز فيك الثقة، قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه).
وفقك الله ويسر أمرك، ونسأل الله أن يبعد عنك كل سوء ويعزز ثقتك بنفسك.