الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتلاءاتي كثيرة ولا أحد يحبني وأحلامي كلها خيالات!

السؤال

أظن أن الله لا يحبني بسبب رزقي المعنوي، منذ صغري أعاني من زوجة أبي التي حطمت شخصيتي بكل الطرق، وجعلتني إنسانة قليلة الثقة بنفسها، كنت أظن أنه لا أحد يحبني؛ وهذا جعلني أقبل تصرفات سيئة من الناس، لدرجة أني أقبل أي معاملة مقابل صداقتهم، كنت أظن أني كريهة، لدرجة أن لا أحد يحبني بسبب المعاملة التي كنت ألقاها من زوجة أبي، وأبي لم يدافع يومًا عني، ودائمًا كان يتفق مع زوجته في كل شيء.

هذا الشيء يحزنني، بسبب عدم وجود شخص يساندني بالطريقة التي أتمناها في دائرتي الخاصة، بل ينظرون إلي نظرة استحقار بسبب شخصيتي، وكوني كنت محتاجة إلى زوجة أبي بسبب غياب أمي، أُعامَل كأني لا أملك كلمة أمامها؛ لأنها ربتني، لذلك صارت شخصيتي مهزوزة جدًا، بالإضافة إلى أني لا أجد من يحبني أو يحترمني في محيطي.

كثير من الأشخاص يقولون: إني طيبة، ويعلمون أني صادقة، ولكن لا أشعر بأنهم يحبونني، لدي صديقات، لكني لا أثق بهم، ولا أشعر بأنهم سند لي.

بعد ذلك، قرأت هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) وهذا الحديث: (إن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل...) لا أعلم إذا كانت هذه الآية تنطبق علي، ولكن لا أحد يحبني، بدأت في الكف عن الكبائر، ولكني لا أجد من يحبني بالطريقة التي أراها في غيري، لعل الله لم يرزقني بمن يحبني لحكمة لا يعلمها إلا هو.

وأيضًا رأيت هذا الحديث: (إذا اقترب الزمانُ لم تكدْ رؤيا الرجلِ المسلمِ تكذبُ، وأصدقُهم رؤيا أصدقُهم حديثًا)، ورغم أني أتحرى الصدق في كل كلامي، وأقلل من الكلام، وقد يمر يوم كامل دون أن أكلم الناس أكثر من نصف ساعة في اليوم، أحلامي كلها خرافية، ليس فيها صدق، لذلك أظن أن الله لا يحبني، لعله بسبب معصية أرتكبها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك أختنا الكريمة في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

من الأمور الخطرة التي يتبعها الشيطان أن يجمع مشاكل الإنسان كلها في سلة واحدة، ثم يعطي حكماً موحداً عليها، فيقتنع الإنسان بما وضعه الشيطان في رأسه، ويبدأ في تقرير مصيره وفق الدائرة الخطأ، وهذا أحد أسباب الخلل في معالجة المشاكل، لذا دعينا -أختنا- نفكك مشاكلك، ونضعها في إطارها الطبيعي، حتى نستطيع أن نقدم لها العلاج الناجع -بأمر الله-.

المشكلة الأولى: قول: (الله لا يحبني) والدليل على ذلك كثرة الابتلاءات التي وضعت فيها، ولأنني لا أجد من صديقاتي من يحبني.
المشكلة الثانية: ضعف الثقة بالنفس، بسبب سوء معاملة زوجة الأب؛ مما جعلني أتقبل أي إهانة في مقابل أي صداقة.
المشكلة الثالثة: كل أحلامي خيالات، وليست هناك رؤى تسر.

أما المشكلة الأولى: وهي شعورك بعدم محبة الله لك؛ فخطأ منك شديد، بل على العكس تماماً، القرائن كلها تشير إلى محبة الله لك، ويمكن جمع بعضها فيما يلي:

1- قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه) ويقول سبحانه أيضاً: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل) وفي رواية: (ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء) وما وقع معك من ابتلاء هو دليل على محبة الله تعالى لك.

2- إن الله إذا أراد بعبد خيراً، رزقه الاستقامة والتوبة، كما قال الله تعالى: (ثمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)، وقد رزقك الله التوبة، وهذا دليل آخر على محبة الله تعالى لك.

3- حبك لقراءة القرآن والأحاديث دليل آخر على محبة الله لك، وخوفك من عواقب الحرمان دليل كذلك.

4- سؤالك عن عدم محبة الله لك، واستشهادك بالحديث كان في غير محله، فالحديث صحيح، وقد رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ) لكن هذا ليس مطردًا في عموم الناس، فنحن نرى بعض الكفار، وهم لا يؤمنون بالله عز وجل، ويحبهم ملايين الناس، فهل هذا دليل على محبة الله لهم؟ بالطبع لا.

لذلك نقول: وجود القبول والمودة لمسلم مستقيم على شرع الله تعالى، في قلوب الصالحين من المؤمنين، فيه إشارة إلى محبة الله تعالى لهذا العبد، وعدم وجود المحبة تلك، ليس دليلاً على عدم وجود المحبة، فقد نجد إنسانًا صالحًا، لكن بعض تصرفاته قد تنفر الناس منه، فيبتعدون عنه، وليس فيه دلالة على بغض الله تعالى له.

ثانيًا: ضعف الثقة بالنفس له علاجه، ويمكن مراجعة بعض الاستشارات المتخصصة في ذلك على موقعنا، لكن مشكلتك هي في أمرين رئيسيين:
1- قناعتك بأن أحدًا لن يحبك لذاتك.
2- سعيك الدائم خلف أي صداقة.
وهذا موطن الخلل، ولو ذهبت إلى المكان الصحيح لتجمع الصالحات كالمسجد والمحاضرات الدينية، وتعاملت بهدوء ودون انجراف، لوجدت لك عشرات الصديقات، المهم أن تتخصصي في أي شيء، وأن تتميزي فيه.

ثالثًا: ما يراه الإنسان في منامه أحد ثلاثة:
- إما رؤى، وهي بشارة من الله.
- وإما حديث نفس.
- وإما تحزين من الشيطان.
وهذا ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا صَّالِحَةِ: بُشْرَى مِنْ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِين مِن الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ)، والذي يقع معك هو من القسمين الآخرين، وهذا يحدث لأكثر الناس، فلا تقلقي، ونحن نوصيك بما يلي:
1- تعميق علاقتك بالله وبدينك وصلاتك، وقيامك لله، مع المحافظة على ذكرك.
2- لا تتخذي أحدًا عدوًا، ولا تعيشي أسيرة لماض قد انصرم.
3- أحسني إلى الجميع، حتى إلى من أساء إليك، فالإحسان رفعة للعبد، وخاصة مع من أساء إليك.
4- اجتهدي في التعرف على الصالحات من الأخوات، وستجدينهن في المساجد وحلق العلم.
5- لا تهضمي حق نفسك، بل اجتهدي في تنمية قدراتك.

وأخيرًا: أكثري من الدعاء لله عز وجل أن يهديك الصراط المستقيم، ونحن نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً