أشعر بالتكلف والرياء في نيتي وعبادتي وطاعتي!

0 10

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحدثني نفسي دائما بأني أتكلف في العبادة، رغم أني لو عملت عملا خالصا لله لا يكون أحد معي، مثال ذلك: لو عملت سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم، مثلا: لو صليت ركعتين قبل الخروج من البيت، أو بعد دخول البيت، أو سنة الوضوء، أو لبست الحذاء باليمين وخلعته بالشمال، أو جلست لشرب الماء بشكل خاص، وكنت في مكان لا يصلح للجلوس مثل الطريق أو الكلية.

أمر آخر: وهو أني لو أقبلت على عمل ولا أجد لله فيه نية أخاف، وأحيانا لا أمضي فيه، على سبيل المثال: لو أردت شرب كوب الشاي، أسأل نفسي: لماذا سوف أشربه؟ هل لأني أشعر بالصداع أشربه ليساعدني على المذاكرة، وطاعة الله، أم أن شربه مجرد تسلية وفراغ؟ فأتركه أحيانا رغم أن نفسي تذهب إليه..، وهكذا في أمور أكبر وأصغر من كوب الشاي، تحدثني نفسي بأني أتكلف في العبادة وأشق على نفسي.

بالنسبة للرياء فهو مختلف قليلا، مثلا: إذا قمت من الليل وقلت: إني سأصلي 12 ركعة أو أكثر، وأحسب لنفسي أني صليت كم ركعة، وأجد نفسي أحيانا تحدثني بأني مرائي، فأرد عليها: بأني أرائي لله، ولا أحد معي، لكن لا أعلم ما في ذلك، وحتى لو صليت طوال اليوم تطوعا لله، سواء في الضحى أو بعدها، أو قبل الصلوات، وإن زدت على السنة تحدثني نفسي بذلك على الرغم من سنتي في ذلك أن بعض السلف كانوا يحسبون عدد ركعاتهم، من كان يصلي 300 ركعة في اليوم والليلة، ومنهم 500 ركعة، ومنهم 1000، تائه لا أعلم أين الصواب!

ولو ذكرت الله أحسب عدد الذكر على الموبايل في تطبيق معين، وتحدثني نفسي أيضا بذلك، رغم أن هذا بيني وبين الله، ولا يراه أحد من الناس، وحجتى في ذلك هو رغبتي برفع همتي بحساب ذكر اليوم، وأجتهد أني أزيد في اليوم الذي بعده، وهكذا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولا: نهنئك بفضل الله عليك، وما يسره لك من الطاعات، وهذا فضل عظيم وخير كثير ينبغي أن تكثر من شكر الله تعالى عليه، فإن شكر نعم الله تعالى الدينية أولى بالإنسان المسلم، وأعظم ثوابا وأجرا من شكر النعم الدنيوية، وكله شكر مطلوب من الإنسان، فينبغي أن تكثر من شكر الله تعالى والاعتراف بفضله ومنته عليك.

ومن مظاهر هذا الشكر الاستمرار في الطاعة والازدياد منها، وكن على ثقة أن الله تعالى سيتولى عونك وييسر لك ما فيه الخير، فقد قال سبحانه وتعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.

ولا شك -أيها الحبيب- أن كمال الأجر وتمام النعمة بتمام الاقتداء والاتساء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وينبغي لكل مسلم أن يحرص على الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما أمكن، فإن ذلك من أسباب زيادة المحبة لله تعالى ولرسوله.

ولكن لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه ويكلفها ما لا تطيق، أو ما ينفرها عن الطاعة، بل الأمر كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا"، أي: لا يقطع الله تعالى عنكم الثواب حتى تقطعوا أنتم العمل، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الكلمات لامرأة كانت تعلق وتربط حبلا في السقف، وتقوم تصلي الليل، فإذا فترت وجاء النعاس تمسكت بهذا الحبل حتى لا تنام فتصلي، فزجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا، وأمر بأن يكلف الإنسان نفسه ما تطيقه من العمل.

وأيضا ينبغي الإنسان أن يكلف نفسه من العمل ما يقدر على الدوام عليه والاستمرار عليه، لأن الدوام على الأعمال الصالحة سبب للقرب من الله تعالى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".

فخذ بهذه السياسة النبوية للنفس، كلفها من العمل ما تطيق وما تستطيع المداومة عليه بقدر استطاعتك، فإذا عرضت لك أحوال يكون فيها الصدر منشرحا والنفس راضية بالزيادة من العبادة، فلا حرج في أن تزيد في تلك اللحظات، وبهذا ستستمر -بإذن الله تعالى- على العمل الصالح ولن تنقطع عنه.

أما ما ذكرت من شأن حرمان نفسك من شرب الشاي مثلا بسبب أنك لا تجد فيه نية صالحة؛ فهذا مما لا ينبغي، فالمباح يبقى مباحا، ولك أن تعطي النفس ما تحتاجه من المباحات بدون استكثار وتوسع، ولكن إن استطعت أن تحسن نيتك بهذا المباح، وأن تقصد به الاستعانة على الطاعات؛ فهذا يحول هذا المباح إلى عبادة، وبدل من أن تتناوله مباحا لا أجر ولا إثم، انقلب إلى عبادة لك فيه الأجر، لكن لا تتعنى وتكلف نفسك حرمان نفسك من المباحات ما دامت ليست لك نية بالطاعة، فالنية أمرها سهل.

فاحذر أن يدخل الشيطان عليك من هذا الباب ويصل إلى نتيجة، وهي أن يكرهك العبادات والطاعات بحجة الحرمان والعذاب للنفس.

وأما ما ذكرت من شأن عد النوافل التي تصليها أو التسبيحات التي تسبحها، فهذا ليس من الرياء في شيء، ولا سيما إذا كان ذلك يشجعك ويعينك على الاستزادة، ويحث نفسك على الإكثار؛ فإن هذا لا حرج فيه، والأمر كما ذكرت قد كان السلف يعدون ركعاتهم في اليوم والليلة، ويعدون تسبيحاتهم، كان هذا من عهد الصحابة، فمن بعدهم من أئمة الهدى، فالإمام أحمد -رحمه الله تعالى- كان يصلي في اليوم 300 ركعة، ولما تعب ومرض في آخر عمره، كان يصلي 150 ركعة، وهذا مذكور في ترجمته وأخباره، وأبو هريرة كان يسبح الله 12000 تسبيحة في اليوم، فعد الطاعات ليس رياء.

احذر أن يدخل عليك الشيطان ليصرفك عن الطاعات والقربات بحجة الورع والابتعاد عن الرياء، أو عن ترك العبادة بحجة أنك لست حسن نية، أو غير ذلك.

وخير ما نوصيك به طلب العلم الشرعي، والتفقه في دينك؛ فإنه صمام الأمان للاستمرار على بصيرة وعلم.

نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات