السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أسأل الله في بداية رسالتي هذه أن يجزيكم خير الجزاء، وأن يوفقكم لأن تدلوني على ما أزيل به حيرتي وتساؤلاتي فيما سوف أذكره لكم، في هذه الرسالة.
لي بنت تبلغ من العمر تسع سنوات، ولها طباع غريبة لا أفهمها، بل أخاف عليها من هذه الطبائع، فمثلا الخوف الشديد في بعض الأحيان، حيث تريد وبصورة دائمة أن تنام معي في غرفتي، مع العلم أنني لا أوافق على ذلك إلا نادرا ولأسباب قوية، وتسألني دائما أسئلة لماذا لا ننام جميعا في غرفة واحدة؟ ولماذا أنام مع والدها في غرفة منفردة عنها وعن أخت تصغرها بسنة واحدة؟ وتسأل أيضا لماذا تقفلون الباب؟
وأصبح عندها بخصوص هذا الموضوع علامات استفهام كثيرة، أحاول إقناعها بأن الوالدين لا بد أن يكون لهما غرفة منفردة هي غرفة الأب والأم، ويكون للأبناء غرفة بمفردهم، ولكن ألاحظ منها عدم الاقتناع وإن أظهرت ذلك.
ثانيا: أحلام كثيرة وواسعة وغير طبيعية، فمثلا تحلم بالثراء الفاحش، وتحب أن يكون لها أشياء كثيرة تمتلكها، وليس أشياء محدودة بل أغلب ما تراه تتمنى أن تملكه.
الشيخ الفاضل: نحن أسرة متوسطة من الناحية المادية، مع أنني أسعى ووالدها جاهدين لنوفر متطلباتها، ونقوم بشراء ثياب وألعاب بقدر متوسط، إلخ.. ولكنها تريد فوق طاقتنا.
تحلم بأضخم سيارة، وبأضخم بيت، وبأضخم الملابس، حتى وإن كانت لا تصلح لمثل سنها، بل لمن يكبرها سنا، تحلم بأن يكون لها خادمة، وسائق خاص، ينفذان لها كل ما تطلب، باختصار كل شيء تحلم به وكل شيء تراه تتحدث عنه.
أريد أن أزرع فيها القناعة ولا أستطيع، أحاول أن أحدثها عن تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، وكأنها من كثرة تكراري لهذا الحديث أصبحت ترى الرسول صلى الله عليه وسلم بمنظار لا تفصح لي عنه.
أيضا أذكرها بالبلاد الجائعة، ومن هم أقل منا ماديا، ومن لا يمتلكون كثيرا مما نمتلك نحن.
هي لا تبدي لي بعض الأشياء مما في نفسها، لكنني أستطيع معرفتها من حركاتها، لا أدري كيف أجعلها تقتنع بما عندنا دون ضغط مني؟! مع أنني أصبحت في كثير من الأحيان أنهرها على بعض تصرفاتها وكلامها.
شيء آخر: أنها ترى الناس أغنياء جميعهم ونحن فقراء، وتتمنى ما معهم،
نحن في بلد غير بلدنا - أي مغتربين - ولا نستطيع توفير بعض المتطلبات، كالبيت الضخم، والمركب الضخم.
لكنا والحمد لله لا نعيش عيشة الفقراء، أو عيشة الحرمان، لكن لا أعرف ما الذي ينمي فيها ذلك!
أفيدوني جزاكم الله خيرا! أنا أخاف أن تصل إلى سن المراهقة، وهي لا زالت بهذه الأفكار، فتتأثر وينقلب ذلك على نفسيتها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ أم عبد الرحمن حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وبعد:
فإن كثرة أسئلة هذه الفتاة دليل على شيء من النبوغ، ونتمنى أن تهتموا بالإجابة على أسئلتها، فإن المربي الناجح يحسن الاستماع ويحسن التوجيه، ولا يتململ من كثرة الأسئلة.
وأرجو أن تعرفوا أسباب خوفها، كما أتمنى أن تشعروها بالأمن والعطف والاهتمام، فليس من الصواب أن نغلق دونهم الأبواب دائما، وليس من الصواب أن تفتح الأبواب وتزول الحواجز، مع ضرورة أن نربي أطفالنا على آداب الاستئذان عند الدخول إلى غرفة الوالدين أو غرف الإخوة أو الأخوات، ويكون ذلك بالسلام أو برفع الصوت بالقرآن وبالتسبيح أو بالتنحنح، كما كان يفعل ذلك ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، وكل ذلك يدل على صيانة العورات ورفع الحرج، ومن هنا أمرت الشريعة الذين لم يبلغوا الحلم أن يستأذنوا في أوقات ثلاث يظن فيها أن الناس يأخذون راحتهم الكاملة وهي: (( من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ))[النور:58].
ومن الضروري أن تكون المعاشرة الزوجية بعيدة عن أعين وآذان الأطفال، وأن نختار لتلك الممارسة المشروعة أوقاتها وظروفها، مع الانتباه إلى أن وعي الأطفال في ازدياد، وهم يختلطون في المدارس مع طلاب من أسر لا تراعي الآداب الشرعية، وهذا هو الذي يسبب الكثير من الحرج للأسر، وقد فهم السلف هذه الآداب فكان ابن عمر لا يعاشر زوجته في حجرة فيها طفل رضيع؛ لأنه يتأثر بما يرى مستقبلا.
وأرجو أن تفهم هذه الطفلة أن الأم تحتاج للخلوة بالأب لمناقشة الأمور الخاصة بالأسرة، والتفاهم على طريقة التربية وحل المشاكل التي تعترض طريق الأسرة.
أما بالنسبة لنظرها إلى ما في أيدي الناس وتطلعها إلى أمور فوق طاقتها، فأرجو أن تواصلوا اهتمامكم بعرض سيرة السلف، مع التركيز على أن السعادة ليست في كثرة المال ولكنها في طاعة الكبير المتعال، وأن أكبر دول العالم في رفاهية الفرد هي أكثر الدول في نسبة الانتحار، حتى سميت حضارة اليوم بحضارة الازدهار والانتحار.
ولا داعي للانزعاج، فإن عقل الفتاة سوف يزداد مع الأيام، فأكثروا من التوجه إلى ذي الجلال والإكرام، واهتموا بغرس حب الآخرة وما عند الله، واعلموا أن نعم الله مقسمة، وأن الإنسان قد يعطى بيتا واسعا ومالا وافرا، لكنه يحرم من نعمة العافية، وعند ذلك لا يجد للحياة طعما، وقد يجد المال والعافية لكنه يحرم من العقل والولد، وهكذا يتضح للجميع أن نعم الله مقسمة، وأن السعيد هو الذي يعرف نعمة الله عليه ليؤدي شكرها.
وإذا أصبح المسلم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها، وقد أحسن من قال:
هي القناعة لا تبغي بها بدلا ** فيها العفاف وفيها راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ** هل راح منها بغير القطن والكفن
وإذا تأمل الإنسان ونظر في أحوال الناس، فإنه يجد من بنى بيتا ولم يسكنه، ومن جمع مالا ولم يأكله، ومن أمل آمالا ولم يدركها.
وأرجو أن تكثروا لها من الدعاء، فإن دعوة الوالدين أقرب للإجابة، وشجعوها على مصادقة الصالحات، وعلموها كثرة السجود لرب الأرض والسماوات، وكونوا لها أفضل القدوات، وعلموها أن فضل الطموح يكون بدخول الجنات، في زمرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابيات.
والله الموفق.