السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني من حالات هلع وخوف من الأماكن المغلقة مثل المصعد الكهربائي، وعندما يصيبني الهلع أشعر بالخوف وضغط في التنفس، وأتخيل أشياء لا وجود لها، فمثلا أتخيل أنني سوف أموت من هذا الضغط الذي في التنفس، حتى أني ذهبت إلى أكثر من مستشفى لكي يفحصوني، وقالوا لي أنني بخير، ولكني أشعر بضغط في التنفس وحالات أخرى للهلع مثل الخوف الشديد، ولا أستطيع الجلوس وحدي، لأني عندها أشعر بالخوف والاضطراب الشديد، وأشعر بأن الموت قريب مني، حتى إني أخاف الخروج من المنزل خوفا من الحالات التي تصيبني.
ساعدوني؛ لأن حياتي أصبحت كابوسا، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فهذا النوع من المخاوف يعرف بالمخاوف البسيطة - المبسطة -، فالمخاوف من الأماكن المغلقة والمصاعد والطيران والأماكن المرتفعة هي من المخاوف البسيطة، ولكن لابد من علاجها حتى لا تمتد وينتج عنها مخاوف أخرى.
أولا: جزء من العملية العلاجية هو أن يمتلك الإنسان بعض الحقائق عن المخاوف، فالمخاوف هي مكتسبة بمعنى أنها ليست غريزية، والمخاوف يمكن علاجها تماما، وذلك اعتمادا على قاعدة: (الشيء المكتسب والمتعلم يمكن أن يفقد اكتسابه)، وهذه حقيقة معروفة في الحياة، ولا بد أن يتخيل مرضى المخاوف دائما أنهم سوف يحدث لهم مكروه أو أنهم سيفشلون أمام الآخرين أو يكونوا عرضة للاستهزاء وهكذا، وهذا ينتج من المبالغة الشديدة في مشاعرهم.
وقد قام أحد الباحثين بتصوير الذين يعانون من المخاوف في المواقع والأماكن التي يحسون فيها بالخوف في أعلى درجاته وبعد أن عرض عليهم هذا التصوير أثبت لهم أن 80% من مشاعرهم لم تكن حقيقية، بمعنى أنه من ظن أنه يشعر بارتعاش حين شاهد نفسه وجد أن حاله لم يكن بالشدة والفظاعة التي يتخيلها، فهذه حقائق أساسية أولية.
والحقيقة الثانية هي أن الوساوس تعالج بأن يبدأ الإنسان في تحقيرها ويؤمن بسخفها، وهي بالطبع ليست دليل ضعف في الشخصية أو في قلة الإيمان بإذن الله تعالى، وأهم وسيلة لعلاج المخاوف أيا كان نوعها هي أن يعرض الإنسان نفسه لمصدر المخاوف، أي أن يواجهه، ويفضل أن تكون المواجهة في الخيال أولا، فمثلا عليك أن تتصور أنك في داخل المصعد وسوف تصعد إلى الدور العاشر أو الخامس عشر أو نهاية المبنى، فيجب أن تعيش هذا الخيال من بدايته، من بداية دخولك المبنى ثم تقوم بعد ذلك بانتظار المصعد ثم تصعد وتدعو دعاء الركوب، وهذا أمر ضروري جدا، وتصور أن المصعد قد أغلق وقد يكون معك أشخاص آخرين أو قد لا يكون، ثم اضغط على زر الصعود للطابق الذي تريده، فعش هذا الخيال بكل تفاصيله حتى تنتهي، وإذا عشته بدقة وتفصيل تحتاج إلى 20 دقيقة على الأقل، وإذا عشته بكل هذه الدقة والقوة والتفصيل المطلوب سوف تحس بالقلق في بداية الأمر، وسوف يرتفع هذا الأمر ولكن بعد ذلك سوف تحس أن القلق بدأ في الانخفاض.
إذن؛ فهذه وسيلة علاجية يجب أن تكرر يوميا من مرتين إلى ثلاثة مرات.
والشيء الآخر هو أن تقوم بإجراء تمارين التنفس والاسترخاء، وهو ما يعرف بالتنفس المتدرج، بأن تستلقي في مكان هادئ، وقل بسم الله الرحمن الرحيم، واملأ صدرك بالهواء عن طريق الأنف - فهذا هو الشهيق - ويجب أن يكون بقوة وبطء، وحبذا لو انتفخت البطن أيضا مع هذا الشهيق، واقبض الهواء لمدة 10 ثوان في صدرك، ثم بعد ذلك أخرج الهواء عن طريق الفم – وهذا هو الزفير – ويجب أن يكون ببطء وقوة، وكرر هذا التمرين من أربع إلى خمس مرات بمعدل مرتين أو ثلاث مرات في اليوم.
وبعد أن تصل في اليوم الخامس أو السادس لهذه التمارين المستمرة (تمارين الخيال والاسترخاء) أقدم على الذهاب إلى المصعد، وصدقني أنك سوف تجد أن هذه الأعراض قد انخفضت 50% على الأقل، وقل سوف أذهب إلى الطابق الأول فقط، هذه هي البداية التطبيقية الحقيقية، فقل بسم الله الرحمن الرحيم، وادخل المصعد، وادع دعاء الركوب، وخذ نفسا عميقا، واصعد إلى الطابق الأول فقط، ثم بعد ذلك أخرج من المصعد، ثم بعد ذلك انزل بعد أن تنتظر دقيقتين أو ثلاثا، ثم اركب المصعد مرة أخرى لصعودك إلى الطابق الثاني، وبنفس المستوى: دعاء الركوب، والاسترخاء، وعليك أن تحقر فكرة هذا الخوف في أثناء هذه التمارين، فهذه النقلة الخيالية علمية نفسية مهمة جدا، وهكذا كرر هذه التمارين بنفس المستوى: الطابق الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس... وهكذا.
وأهم شيء في هذه التمارين هي أن تواصلها وتكون تمارين يومية، فمعظم الأبحاث تدل على أن الذي يطبقها لمدة اثني عشر يوما بصفة مستمرة سوف يتخلص من هذا الخوف.
ولا شك أن الشعور بالضغط في الصدر والشعور بانقطاع النفس هي جزء من الخوف، وبممارسة تمارين الاسترخاء والتعرض في الخيال والتعرض التطبيقي سوف تختفي تماما هذه الأعراض.
كما أن الهلع الذي يحدث لك وأنك لا تستطيع الجلوس لوحدك وتتطلب دائما الرفقة هو أيضا جزء من عملية المخاوف، ولكن بالإصرار والتوكل سوف تجد أن الأمر قد أصبح بإذن الله تعالى بسيطا جدا، وأنه بالطبع كانت هنالك مبالغة في هذه المشاعر.
وأريدك عندما تبدأ البرنامج العلاجي الذي ذكرته لك أن تبدأ أيضا البرنامج الدوائي معه، فهنالك أدوية الآن فعالة وممتازة، وأرشح لك العقار الذي يعرف باسم زيروكسات، فهو عقار طيب وجيد وممتاز جدا لهذه المخاوف، فابدأ في تناوله بجرعة 10 مليجرام (نصف حبة) لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة واستمر عليها، وبعد شهر من هذه الجرعة - الحبة الكاملة يوميا - من المفترض أن يحدث لك تحسن كبير، وإذا لم يحدث هذا التحسن - بشرط أن تكون قد طبقت أيضا الإرشادات السلوكية السابقة – فارفع الجرعة إلى حبة ونصف (30 مليجرام) في اليوم ليلا، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم تبدأ في التخفيض بمعدل نصف حبة كل أسبوعين حتى تتوقف عن الدواء.
وأيضا؛ عليك البحث في طرق العلاج الأخرى، وهي الاتصال بالآخرين، وأن تكون اجتماعيا، وأن تمارس الرياضة، وأن تحضر حلقات التلاوة، وحين مقابلتك للناس دائما حاول أن تقابلهم وتنظر في وجوههم، وكن أنت البادئ بالتحية والسلام، واطرح مواضيع وكن قياديا، فهذه إن شاء الله تبني الشخصية، وحين تكتمل أبعاد البناء النفسي للشخصية يقلل من المخاوف بالطبع.
وبالله التوفيق.