السؤال
بعض الإخوة أو الأخوات الملتزمات يتكلمون مع الأخوة غير الملتحين، أو غير المتنقبات بأسلوب احتقار، أو فيه شيء من الغلظة، والبعض من غير الملتحين، أو غير المتنقبات - لو أخطأ أخ ملتزم أو أخت - يصبح إذن كل الملتحين هكذا أو الملتزمين، فبم تنصح كل فريق؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ ع. ع حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يرزقنا الثبات والسداد.
فإن الهداية نعمة الله العظمى على الإنسان، وله سبحانه الفضل والمنة، (( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ))[الحجرات:17]، والدعاة إلى الله يعاملون الناس بتواضع ولين؛ لأنهم يرغبون في هداية الناس أجمعين، ليكون ذلك في موازين حسناتهم، (ولئن يهدي الله بك رجلا واحدا -أو امرأة- خير لك من حمر النعم) وإذا احتقر الإنسان غيره أو سخر منه فذلك دليل على أن في التزامه نقص وخلل، وكان السلف يقولون: لو سخرت من كلب لخشي أن يحولني الله إلى كلب. وحين أراد بعض الوعاظ أن يغلظ على بعض الخلفاء في الموعظة، قال له ذلك الخليفة: إن الله قد بعث موسى عليه السلام وهو خير منا جميعا إلى فرعون وهو شر من كل الأشرار الذين بيننا، فقال سبحانه معلما لنبيه موسى: (( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ))[طه:44].
ونحن يا أخي مطالبون أن نصبر على الأذى ونعفو ونصفح، وقد دخل على الخليفة العادل عمر رضي الله عنه رجل، وقال له: يا ابن الخطاب! إنك لا تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل! فهم به عمر فذكره الحر بن قيس رضي الله عنه بقول الله تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ))[الأعراف:199]، فما تجازوها عمر حين سمعها، وكان وقافا عند كتاب الله.
وهذا التوجيه للملتزمين والمتنقبات؛ فهم القدوة لغيرهم، وعلينا أن نعلم أن الله بحكمته وفضله قد يتوب على أولئك العصاة فيصبحوا في أرفع المنازل عند الله، وقد يسلب الإنسان الهداية والعياذ بالله.
وقد غضب الله على من قال للعاصي: لن يغفر الله لك وأحبط عمله وتاب على العاصي، فسبحان من لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ولا ينبغي أن يعمم الإنسان فيقول: كل الملتحين هكذا، أو يتهم كل المنقبات الطاهرات إذا أخطأت واحدة، والظلم مرفوض أيا كان مصدره، والصواب أن ينسب الخطأ إلى فاعله؛ لأنه (( ولا تزر وازرة وزر أخرى ))[الإسراء:15].
وأرجو أن يحرص أهل الالتزام على تجنب الأخطاء؛ لأنهم مثل الثوب الأبيض تظهر فيه الأوساخ، كما قال الحكيم: (إن البياض قليل الحمل للدنس).
واعلموا أن الداعية لا بد أن يلاطف أهل الغفلة، ويتحمل أذاهم حتى يتمكن من هدايتهم إلى الصواب، وتذكروا أن الشيطان يقول للعصاة: لماذا يحرجك أمام الناس؟ وهل سيدخل معك إلى القبر؟ ولماذا يأمرك ويعلمك؟ إلى غير ذلك من الأمور المنفرة، ولكن الداعية الحكيم يتواضع للمدعوين، وينتقي الكلمات اللطيفة، ويختار الأوقات المناسبة، ويدعو لهم بإخلاص قبل أن يدعوهم إلى الله.
وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه وقد وجد ناسا يضربون عاصيا، فقال لهم: اتركوه! فقالوا: يا صاحب الرسول! إنه فعل كذا وكذا، فقال: دعوه، فقالوا: ألا تكرهه؟ فقال: بل إني أحبه، ولكني أكره ما فعل؛ فإن تركه كان أخي، فبكى الرجل وتبع أبا الدرداء، وكان بعد ذلك من صلحاء أتباعه رضي الله عنهم أجمعين .
نسأل الله أن يهدينا ويهدي بنا، وأن يجعلنا سببا لمن اهتدى.
وبالله التوفيق.