السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد مررت بمحنة جعلتني أراجع نفسي في كل صغيرة وكبيرة، ومن الأشياء التي لمستها في نفسي هي أني أهتم بنظرة الناس إلي بشكل يؤرق مضجعي، ويجعلني أفكر بعدم الاختلاط بهم، أو تحاشيهم خشية أن يبدر مني تصرف لا يليق بالفتاة المسلمة، أو حتى لا أظن بنفسي الظنون.
لقد كنت وما زلت فتاة تحب مساعدة الآخرين، ولا ترفض طلبا لأحد طالما كانت القدرة موجودة على فعله، وما لم يكن في معصية الخالق، وكثيرا ما أسمع كلمات المديح بعد صنعها لهم، وأسأل الله أن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه، ويتقبلها منا، اللهم آمين.
ولكني بنفس الوقت أظن أنهم يحاولون تجنب الحديث معي، خاصة بعد المحنة التي حصلت لي، وأردد في نفسي ما جاء عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له القول، قلت: يا رسول الله! قلت: ائذنوا له بئس أخو العشيرة، فلما دخل هششت له؟ قال: يا عائشة: إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه).
وجميعنا نعلم أن رضا الناس غاية لا تدرك، وأننا لم نخلق لهذا الشيء، وإنما خلقنا لإرضاء الله رب السموات والأرض الذي فطرهن، ولكن أرى أن نفسي لم تستوعب أو تدرك هذا المعنى جيدا، ولهذا السبب يحدث لي الضيق والحزن الشديد إن شعرت أو لمست أن أحدا متضايق مني، أو يظن بي صفة لا تليق بالفتاة المسلمة.
فأرجو نصحي ومساعدتي للتغلب على هذا الخلق، وتعميق المعاني والكلمات التي أوصانا الله بها في كتابه، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته فيما يتعلق بهذا الشأن.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك فيكم وفي علمكم، ويبارك لكم في أوقاتكم، ويجزيكم خير الجزاء، ويجعل جميع أعمالكم خالصة لوجهه، ويتقبلها منكم.
اللهم آمين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ الفقيرة إلى الله حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإن الإنسان طبيب نفسه، وقد أسعدني هذا الفهم، وأفرحتني هذه الكلمات، ولا نملك إلا أن ندعو الله لك بالثبات حتى الممات، ونسأل الله أن ينفع بك الآباء والأمهات، وأن يجعلك ذخرا وفخرا للمسلمين والمسلمات، وأن يلهمك رشدك ويرفعك عنده عالي الدرجات، ومرحبا بك في موقعك، وشكرا على سؤالك وعلى عاطر الكلمات.
لقد أحسنت بقولك: (رضا الناس غاية لا تدرك)، والعاقلة تطلب رضوان الله وإن سخط الناس، بل إنها تنال رضا الله رغما عن أنوفهم إذا أرضت ربها وأخلصت في عملها، (فإن الله إذا أحب عبدا أو أمة من عباده أمر جبريل أن ينادي أن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يلقى له القبول في الأرض)، قال تعالى: ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا))[مريم:96]، يعني: محبة في قلوب الخلق.
وأرجو أن تعلمي أن في الناس حسادا وأشرارا، وأن رضاهم لا يتحقق وعدوانهم لا يزول، وقد قال الله عن أكرم خلقه: ((وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين))[الفرقان:31]، فكيف بغيرهم من البشر؟ ولكن أحسن من قال:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص*** فهي الشهادة لي بأني كامل.
وأرجو أن ترددي: اللهم حببني إلى خلقك وحبب إلي الصالحين منهم، وليس صحيحا أن هؤلاء تركوك اتقاء لشرك لأنك في خدمة الناس، ولكن قد يبتعد عنك بعضهم لأنهم يحسدونك على ما أولاك الله، ولله في ذلك حكمة، وقد قال الشاعر الحكيم:
وإذا أراد الله نشر فضيلة ** طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ** ما كان يعرف طيب نفح العود
فقابلي هجرانهم وبعدهم بالصبر والشفقة عليهم، ولا تقابلي الإساءة بمثلها، وكوني كالنخلة يرميها الناس بالحجارة فتعطيهم أفضل الثمار.
وراجعي نيتك بين الحين والآخر، ورددي دائما وتذكري: (إنما الأعمال بالنيات)، وتعوذي بالله من شيطان يشوش عليك، واعلمي أن العمل للناس رياء وأن ترك العمل من أجل الناس شرك، وأن الإخلاص هو أن يعافيك الله منهما.
وهذه وصيتي لك بتقوى الله، ومرحبا بك في موقعك، وكم نحن سعداء بتواصلك.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.