السؤال
السلام عليكم
أنا طالبة ابتليت بداء الحب، حيث أحب ابن عمي حبا شديدا، ولا أعلم إن كان يبادلني نفس الشعور أم لا، ولا أستطيع إخباره لأن عاداتنا لا تسمح بذلك، وإذا أخبرته فسأسقط من نظره، ولا أريد أن أعيش في وهم ثم أكتشف أنه لا يبادلني نفس الشعور، فماذا أفعل؟
ساعدوني وجزيتم خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Zhoor حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك وأن يشرح صدرك وأن يذهب عنك العنت والألم والمشقة، وأن يجعل لك نصيبا في ابن عمك إذا كان عبدا صالحا وإذا كان زواجه منك سيكون خيرا لك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن المرحلة التي أنت فيها هي مرحلة النضج البدني والجنسي والنفسي، وهي مرحلة حساسة وحرجة، والفتاة منذ أن تبلغ وهي في حاجة إلى أن تكمل نصفها المفقود، والفطرة تقتضي أن الفتاة تميل إلى الفتى، وأن المرأة تميل إلى الرجل، وأن الرجل يميل إلى المرأة، وتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها، فهذا التعلق شيء طبيعي، ولكن هذا الأمر قد يختلف بحسب الظروف والأحوال، وحسب الشخص الذي يتم التعلق به، وباعتبار أن ابن عمك من أقرب الناس إليكم، وهو يكون أمام عينك دائما، ولعلك تحتكين به وإن كان احتكاكا غير مباشر فقد تعلق قلبك به؛ لأن الاحتكاك الدائم والمعاشرة من أسباب التعلق، وليس هذا عند الإنسان فحسب، وإنما مع الحيوان أيضا، بل مع الحيوانات بعضها البعض.
فكوني أرى إنسانا وبيني وبينه قرابة وقد يكون فيه بعض الصفات التي تعجبني، فهذا هو الذي حدث معك، حيث حدث لديك نوع من الميل الفطري إليه على اعتبار أنه رجل وطبيعتك تقتضي أنك تميلين إلى رجل، فجاء هذا الرجل باعتبار أنه قريب منك ليملأ هذا الفراغ العاطفي والقلبي الموجود لديك.
والحب - التعلق القلبي - شيء خارج عن إرادة الإنسان، ولذلك ما دام تعلقا قلبيا فلا يؤاخذ عليه الإنسان ولكنه يكون محظورا إذا خرج من حد التعلق القلبي إلى حد الجوارح الظاهرة وذلك كالنظر، فإنك إذا نظرت إليه وأمعنت النظر فتلك معصية؛ لأنه لا يجوز لك أن تنظري إليه، وكذلك الكلام أيضا، فإنك إن تكلمت معه فتلك معصية؛ لأنك لا تكلمينه الكلام الطبيعي الذي يكون ما بين الإنسان والإنسان، وكذلك التفكير أيضا، فإنك إن أكثرت التفكير فيه فقد تشتغلين به عن الصلاة وعن خشوعها وغير ذلك، وكل ذلك يضرك، وكذلك إذا حدث تمني ونحو ذلك فهذا محرم.
فما عليك إلا أن تتوجهي إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء أن يعافيك الله من ذلك وأن يقدر لك الخير، لأنك لا تعلمين هل يبادلك نفس الشعور أم لا، وهذا يدل على أنك بفضل الله لم يصدر منك أي تصرف غير شرعي، لأنك لو حاولت الوقوف أمامه أو التحدث معه أو التكسر في الكلام معه أو النظر إليه أو معاكسته فقد يفهم أنك ترغبين فيه، ولكنك بحمد الله لم تفعلي شيئا من ذلك، وهذا يدل على أنك ملتزمة ومحافظة.
فعليك بالدعاء أن الله يكتب لك الخير، فأنت لا تعلمين الغيب وهل ستكونين سعيدة معه أم لا؟ ولا تدرين هل ستكونين زوجة له أم لا؟ ولا تدرين هل هو الزوج المناسب لك أم لا؟ فكلها أمور لا تعلمينها وهي في علم الله تعالى، فعليك أن تغضي بصرك عن النظر إليه، وأيضا تمسكي سمعك عن الاستماع إليه، أي لا تحاولين إذا تكلم أن تنصتي، وحاولي أن تغلقي هذه الأبواب لأنك تعيشين في معاناة وعلاجها أن تغلقي أبوابها.
وأيضا يجب أن تتوقفي عن التفكير فيه، فكلما جاءك في مخيلتك فحاولي أن تغيري الوضع الذي أنت عليه ولا تسترسلي في التفكير؛ لأن استرسالك في التفكير لن يزيدك إلا ألما وعذابا، وإذا كنت جالسة ومر طيفه في ذاكرتك فقومي من المكان الذي أنت فيه، وتحركي، أو توضئي وصلي، أو تكلمي من أحد، فلابد أن تحاصري هذه الأفكار، حتى لا تتمدد في فراغك فتزيدك عناء وعذابا فوق عذابك، وبذلك تعينين نفسك على أن تكوني طبيعية.
وأكثري الدعاء أن يقدر الله لك الخير حيث كان وأن يرزقك الرضا به، وقولي: (اللهم أقدر لي الخير حيث كان وارزقني الرضا به، اللهم إني أسألك زوجا صالحا يكون عونا لي على طاعتك)، وبعد ذلك اتركي الأمر لله سبحانه وتعالى واجتهدي في مذاكرتك بما أنك لا زلت طالبة، واجعلي همك كله في المذاكرة، وإذا كان عندك شيء من الفراغ فضعي لنفسك برنامجا لحفظ القرآن الكريم ولو في كل يوم آية، وحفظ أحاديث نبيك الأمين عليه الصلاة والسلام أيضا ولو في كل يوم حديث، وقراءة بعض كتب أهل العلم المتعلقة بالحياة الزوجية أو المتعلقة بحقوق المرأة أو بالأحكام كالطهارة أو الصلاة أو غيرها، أو قراءة بعض كتب السير المسلية، أو حضور بعض مجالس العلم إذا وجدت عندكم، والارتباط بالصحبة الصالحة.
فعليك أن تضيقي أوقات الفراغ حتى لا يستحوذ عليك الشيطان فيحول فراغك إلى عذاب وعقوبة، لأنك نتيجة التفكير تشعرين بتعب شديد وإرهاق وألم؛ لأن الآلام النفسية ثبت أنها أخطر وأشد وأعظم من الآلام العضوية، حيث تفقد الإنسان الشهية، وتفقده الرغبة في الحياة، وتكسبه الكسل والتكاسل عن العمل، بل وقد تفسد علاقته مع الله جل جلاله وعلاقته مع غيره من أرحامه وإخوانه ووالديه ومن يحيط به.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يأخذ بيدك لتخرجي من هذه المحنة على خير وأن يرزقك حبه وحب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يستعملك في طاعته وأن يكتب لك الخير حيث كان وأن يرزقك الرضا به، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله ولي التوفيق.