السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حصلت على ما أريد، وأحس بالضيق والطفش: حاسوب، سيارة جميلة، منصب وعلم.
لا أحس بالنقص في حياتي، وكل شيء أريده أحصل عليه حتى السلطة حصلت عليها في نطاق البيئة المحيطة بي من كافة جوانبها، حصلت على ما أريد وأنا لا أتجاوز ال 30 من العمر، وماذا بعد؟ هل أبحث عن مجال فيه منافسة شرسة وأدخل فيه؟ هل أدخل وأبدأ بمنافسة مباشرة للكبـــــار من المحترفين حيث المواجهة والحذر من الطعن بالظهر؟
هل أرضى بما أنا فيه من منصب ومال وعلم أم أبدأ بمنافسة الكبار أو بما يسمى بلغة العصر الجديد صراع الحيتان؟ فلماذا أحس بهذا الإحساس؟
السادة المستشارون بارك الله فيكم.
أرجو التوجيه مع التعليل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مسلم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإننا ندعوك لشكر ربك الحميد لتنال بشكرك الله الخير والمزيد، ونسأل الله أن يحفظك من كل شرير عنيد، وأن يجعل حياتك بطاعته نجاحا وفلاحا، وأن يرزقنا وإياك الأمن يوم الوعيد، وكم يسعدنا أن يتواصل الناجحون مع موقعهم، ونسأل الله أن يديم عليك فضله.
ولا يخفى على أمثالك أن الله يبتلي الإنسان ويختبره، وأن اختبار النعم أصعب من امتحان المصائب والنقم؛ لأن وجود النعم قد يدفع للتكبر والتعالي والإساءة لعباد الله، قال تعالى في شأن الغافلين: ((كلا إن الإنسان ليطغى))[العلق:6] وقال سبحانه: ((فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم))[محمد:22] يعني المناصب والولايات والأموال، وهذا نبي الله سليمان - عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه - سأل الوهاب فوهبه، فما طغى ولا بغى، بل انكسر لله واستخدم سلطانه في بذل الخير والهدى، ونقل لنا القرآن قصته وقد اكتملت نعم الله عليه، وجيء له بعرش بلقيس فقال: ((هذا من فضل ربي))[النمل:40] لم يقل بعدد جنودي، ولا بقدراتي الخارجة كما فعل قارون الجاحد عندما قال: ((قال إنما أوتيته على علم عندي))[القصص:78] ثم تنبه نبي الله سليمان فقال: ((ليبلوني))[النمل:40] يعني أنا في امتحان، هل أشكر نعم الله وذلك بنسبتها لله واستخدامها في طاعته، وشكر الله عليها بالاعتراف بفضل المنعم، ((أم أكفر))[النمل:40] وكفر النعمة يكون بعدم نسبتها لله، ثم باستخدامها في غضب الله، وبالتقصير في شكر الله، ثم ختمت الآية بما يدل على أن الله سبحانه غني عن شكر الشاكرين، وهو مع ذلك يعطي من يشكر ومن يكفر؛ لأن الدنيا عنده حقيرة، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها جرعة ماء.
ومن هنا ندعوك إلى شكر نعم الله عليك بالاعتراف بفضله، والتواضع لخلقه، وإيصال النفع لعباده، وبالعمل بطاعته قال تعالى: ((اعملوا آل داود شكرا))[سبأ:13].
ولا تدخل إلا منافسة شريفة، واحترام من يكبرك سنا، (وأد الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك)، ولا تجاور وتساير من يتخذون الأساليب الملتوية للصعود، واعلم أن الإنسان لا ينال إلا ما كتب له، فاطلب النجاح، وابذل أسبابه المشروعة، واحرص على إتقان عملك، واحفظ لسانك عن سائر الإخوان، واعلم أنك مثل السوق تحمل إليه البضائع الرائجة الرابحة، فاجعل الصدق رابحا عندك، واتخذ الإخلاص سلوكا، واحفظ لسانك عن الناس يدم لك الستر، ولا تتصرف تصرفا تندم عليه، واتخذ من المستشارين من يذكرك بالله، وقل له كما قال عمر بن العزيز رحمه الله لمزاحم: (إن الناس يختارون الأعين لتأتيهم بأخبار الناس وإني جعلتك عينا على نفسي فإذا رأيتني أعصي الله فخذ بتلابيبي وقل لي: اتق الله يا عمر).
وهذه وصيتي لك بتقوى الله، والمواظبة على ذكره وتلاوة كتابه، فإن ذلك يذهب القلق والتوتر والطفش، واحرص على بر والديك، وصل رحمك، وكون عونا للضعيف ليكون القوي في حاجتك، واعلم أن قلوب الخلق والمسئولين بين أصابعه سبحانه.
وأسأل الله لك التوفيق والسداد.