رفض الأب للخطاب بسبب دراسة ابنته

0 437

السؤال

أنا خريجة جامعية، منذ سنتين - يشهد لي الجميع أني ذات خلق ودين وجمال - تقدم لي رجل صالح متدين وذو خلق عندما كنت بالجامعة، لكن أبي رفض لأنني كنت أدرس، كما أنه لم يقل لي أو يستشيرني في الموضوع، مع أنني كنت في الجامعة ولم أعرف إلا حديثا، ولكن يبدو أن الله عاقبني أو عاقب والدي؛ إذ أنني الآن بلا عمل أو زوج، أما الشخص الذي تقدم لي فكان أستاذي في الجامعة، وما زال يريد أن يتقدم لي مرة أخرى لكنه متردد، ويخاف أن يرفضه أبي، وهذا الأمر علمته من قريبة له؛ إذ أنني أتقي الله ولا أصاحب الرجال.

مع العلم أن أبي يعمل دكتورا مهندسا في كلية أخرى، والمفروض أن يكون أكثر وعيا، وأن يفكر للمستقبل، فهل يأثم أبي لذلك؟ وهل آثم أنا لأنني أطعته ولم أغضب أبي، ولم أغضب منه عندما علمت بالأمر؟ وهل من الحرام أن أتكلم مع هذا الشخص لأؤكد له أن أبي لن يرفضه؛ لأنني علمت بالأمر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملاك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق وأن يكثر من أمثالك، وأن يمن عليك بزوج صالح يكون عونا لك على طاعته ورضاه وأن يغفر لأبيك وأن يرضى عنه، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإنه مما لا شك فيه أن مقام الأبوة - سواء أكان الأب أو الأم – مقام عظيم، وأن أعظم الناس حبا لأبنائهم هم الأب والأم، بل إن الأب والأم يتمنيان لأبنائهما أن يكونوا أحسن منهما؛ ولذلك إذا دعا رجل لغلام أمام أبيه فقال مثلا: (أسأل الله أن يجعلك خيرا من أبيك) فإن الأب يقول آمين؛ ولذلك يستحيل أن يكون الأب طبيعيا ويقف ضد مصلحة أولاده؛ لأنه يعمل في الحقيقة خادما لهم بكل ما أوتي من قوة، الآن ماذا يستفيد منك والدك أو والدي أو غيره؟ إنه يعمل ويشقى ليوفر لأبنائه الحياة الكريمة وليحقق لهم ما يريدون وليجعلهم ليسوا على الأقل أقل من غيرهم، ومن هنا نقول: من الصعب بمكان أن أقول بأن هنالك أبا يكره مصلحة أبنائه، وأنه يستحيل أن يكون والدك كان قد رأى هذا الأخ مناسبا ورفضه، ولكن الأب نظرا لأنه لا يريد أن يشغلك عن دراستك اجتهد في هذا الأمر، وهذا أمر وارد جدا، يحدث من الملايين من المسلمين أن يرى كما قال الله تعالى: (( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ))[الأحزاب:4]، يقول: هذه الفتاة الآن لو شغلت بهذا فلعلها لن تستطيع أن تكمل دراستها، فهذه رؤية غالب الناس، وهذه أيضا قد تكون موافقة للواقع لأني الآن من عدة دقائق أجبت على استشارة لأخت من الجزائر فعلا عندما ارتبطت بإنسان ترتب عليها أنها تعثرت دراسيا والآن تندم؛ ولأنها عندها الآن ثلاثة أولاد وتتمنى أن تعيد الكرة مرة أخرى ولكنها لم توفق وتقول لأني شغلت فعلا بزواجي.. هذا أمر وارد - أختي الكريمة ملاك – ليس فيه أصلا معصية؛ لأنه اجتهاد من الأب، الأب باعتبار أنه رجل أكاديمي ويعرف أن هذه الأمور تؤثر على العقل والتفكير وأنها قد تستغرق شيئا من الوقت فإنه ترتب عليه أن يرفض هذا الشاب، لم يرفضه لأن به عيبا مثلا، وقد يكون هناك وجهة نظر الأب أيضا أنت لم تعرفيها.

ولذلك أقول: ليست قضية أنك لا تعملين أو لم يتقدم إليك أحد أن الله يعاقبك أو يعاقب والدك، لا، وإنما لم يأت الوقت الذي أذن الله فيه بحل هذه المشكلة؛ لأنك تعلمين أن الله تبارك وتعالى قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعندما رفض هذا الشاب الذي تقدم لأبيك ذلك لأن الله لم يرد أن يكون هناك زواج في هذا الوقت، ولكن في الوقت المناسب صدقيني سوف تحل هذه المسائل – سواء أكان هذا الشاب أو غيره – لأن الله تبارك وتعالى - أختي الكريمة ملاك – قدر لك زوجا في علمه، هذا الزوج من هو؟ (( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ))[النمل:65].. قد يكون هذا الشاب الآن موجودا وقد يكون هناك من هو أفضل منه، وقد يكون هناك من هو أقل منه وهو نصيبك، يعني لا يلزم أن يكون زوجك أستاذا في الجامعة، قد يكون مهندسا، قد يكون مدرسا، قد يكون محاسبا، قد يكون قاضيا، قد يكون محاميا، قد يكون صاحب شركة، رجل أعمال، قد يكون حرفيا من الحرفيين، الذي قدره الله تبارك وتعالى - أختي ملاك – كائن لا محالة.

ولذلك أتمنى أن تخرجي هذه الأفكار من رأسك وأن تعلمي أن هذا قدر الله تعالى وأن ما أنت فيه ليس عقابا - بإذن الله عز وجل – لأن أباك لم يرتكب جريمة ولا منكرا، وإنما رجل ترجحت عنده عدة مصالح ففضل مصلحة على أخرى، قد يكون مجتهدا مخطئا وقد يكون مجتهدا مصيبا، ولذلك ما أنت فيه الآن ينبغي أن يفهم على أنه قدر الله تعالى، وثقي وتأكدي لو أن الله تعالى قدر أن تكوني زوجة له في هذا الوقت لوافق والدك؛ لأن والدك لن يستطيع أن يرد قضاء الله بل ولا غيره من المخلوقات جميعا لا الملائكة الكرام ولا حملة العرش ولا الأنبياء ولا الرسل ولا أي أحد؛ لأن ما قدره الله هو كائن، (( إنا كل شيء خلقناه بقدر ))[القمر:49]، (( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ))[الفرقان:2].

وثقي وتأكدي من أنه في الوقت المناسب سوف يأتيك الزوج الذي قدره الله لك، ولكن بما أنك عرفت من خلال إحدى قريباته أنه مازال يرغب في أن يتقدم إليك، ما المانع أن تطلبي منها هي أن تكلمه ليتقدم لأبيك، بدل أن تكلميه أنت، لأنك - الحمد لله وبفضل الله تعالى - أنت أخت تقية ولا تتكلمين مع الرجال، وهذه ميزة فيك، ولعل هذه الميزة التي جعلته يتعلق فيك أنت شخصيا، ولكن لعلك لو تكلمت معه قد يظن فيك ظن السوء، ولذلك ما المانع أن تطلبي من قريبته هذه ما دمت تعرفينها أن تلمحي لهم بأن يتقدم لأبيك وأن تقول له - إن شاء الله تعالى - بأن الأمر ممهد، وأن العائق الذي كان موجودا قد زال، وهو يتقدم وأنا سوف أتكلم معه أنا وأمي، وتقنعينها بذلك ودعيه يتقدم، ما دام ليس هناك مانع وما دام أبوك رجلا عاقلا - بفضل الله تعالى - ورجلا فيه خير، ورجلا واعيا - بفضل الله تعالى – لا أعتقد فعلا أنه سوف يرده - بإذن الله عز وجل – لأن الله تبارك وتعالى منحه من العقل ما يميز به بين الأمور وما يرجح به أمرا عن أمر.

إذن - بارك الله فيك – أنت لم تأثمي لأنك أطعت والدك، وثانيا أنت لم تغضبي أباك ولم تغضبي منه؛ لأن هذا أمر طبيعي؛ لأن والدك - أختي الكريمة – لا يتمنى لك إلا الخير، وأبوك لم يفعل منكرا – كما ذكرت لك أولا بارك الله فيك – وإنما هو اجتهد اجتهادا من واقع الحال الذي أنت فيه، وصدقيني غالب الناس يفعلون هذا الكلام عادي جدا؛ ولذلك أقول – بارك الله فيك – اطلبي من قريبته هذه أن تتكلم معه، وأن تطلب منه أن يتقدم لأبيك، وأكدي لها أن أباك لن يرفضه - إن شاء الله وبإذنه تعالى – لأن سبب الرفض كان الانشغال بالدراسة، أما هو كشخص ما دام هو على خلق ودين ورجل متدين ورجل ناجح ويعتبر زميل والدك؛ لأنه أستاذ جامعة قطعا مرغوب ليس رجلا عاديا، فقولي له هذا الأمر وأنت عليك بالدعاء، عليك بالدعاء أن الله تبارك وتعالى يقدر لك الخير وييسر لك الأمر؛ لأن الأمور تقضى في السماء وتنفذ في الأرض، والنبي عليه الصلاة والسلام – قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال: (عليكم عباد الله بالدعاء، فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد).

فإذن أنت كلمي قريبته ولا تتكلمي معه، وبارك الله فيك اجتهدي في الدعاء وصلاة الحاجة أن الله تبارك وتعالى يشرح صدر والدك لمقابلته ويشرح صدره للتقدم مرة أخرى؛ لأنه احتمال أن تأخذه العزة أيضا بالإثم، ويقول: أنا أستاذ جامعة فكيف رفضني وأنا لا أذهب.. هذا وارد أن يأتيه هذا الشعور؛ فلذلك عليك أن تسألي الله - عز وجل - أن يشرح صدره ليتقدم، وتسألي الله تعالى أن يشرح صدر أبيك لاستقباله، وتسألي الله تعالى أن يوفقه لكي يقبلك زوجة له وأن يوفقك أيضا لكي تقبليه زوجا لك، وأبشري بفرج من الله قريب، واعلمي أنه (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وعليك بالصبر - أختي الكريمة ملاك - لأن الفرج مع الصبر، والله تبارك وتعالى وعدنا: (( فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ))[الشرح:5-6] ولن يغلب عسر يسرين، ونسأله تبارك وتعالى أن ييسر لك هذا الزوج الصالح أو غيره من عباد الله تعالى الذين يعينونك على طاعة الله ويعاملونك بالمعروف، ويوفر لك حياة طيبة مستقرة تنعمين بها بطاعة الله ورضاه.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات