نصائح وتوجيهات لموظف متميز يعاني إهمال مديره وتهميشه له، أفيدوني.

1 889

السؤال

أولا: أشكر لكم هذا المجهود الكبير في خدمة زواركم.

وسؤالي هو أني أطمع بمشورتكم في مشكلتي المهنية، والتي انعكست سلبا على نفسيتي كموظف، حيث إنني أعمل مساعدا في قسم الموارد البشرية وعندي خبرة إدارية سابقة، وأحمل شهادة جامعية في الأدب الإنجليزي، ودرست دبلوم موارد بشرية، وشاركت في عدة دورات في الإدارة والموارد البشرية، غير أن مديري المباشر لا يعطيني الفرصة والمجال لأن أرتقي بمجال عملي، ولا يسمح لي بالتدخل والمشاركة معه في صميم عملنا.

يهملني ولا يوكل لي غير الأعمال الروتينية التي أمارسها منذ عدة سنوات، حيث أنني أنا الموظف الوحيد في قسم الموارد البشرية، وللعلم: مديري المباشر لا يحمل أي خبرة في الموارد البشرية، بل إن شهادته وتخصصه في إدارة البنوك فقط، وهو دائما يلمح بأني فارغ وليس لدي عمل مهم ومجد، فطلبت منهم أن يوكلوني بأعمال في تخصصي أنفع بها العمل، فكان ردهم أن أجلس مكان موظفة الاستقبال حين غيابها، أو أساعد في بعض أعمال الجرد.

أصابني بسبب هذا التعامل السلبي معي بالمهانة والإحباط الشديدين، لدرجة أنني أفكر في الاستقالة وتغيير العمل، ولكن بنفس الوقت أصابتني عقدة بأني لن أتمكن من اجتياز اختبار المقابلة بنجاح أو أداء العمل بالصورة المطلوبة كموظف صاحب خبرة عملية في الموارد البشرية؛ لأنني لم أتمكن من ممارسة واجبات ومهام الموارد البشرية بالشكل المطلوب والمفترض أن يكون.

وشكرا لتعاونكم، وجزاكم الله كل خير، سائلا المولى أن يكون هناك حل عملي لديكم أستطيع أن أعمل به وأجتاز ما أنا به من قلق وضيق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نسر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يوفقك في مجال عملك، وأن يذهب عنك كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك فإنه -وكما تعلم- أن هناك ما يعرف في دنيا الإدارة وفي مجال الأعمال بحسد الأقران، وهو عبارة عن كل إنسان في مجال تخصص معين يرى هناك من ينافسه فيه، خاصة إذا كان متميزا أو كان يحمل مؤهلات والطرف الآخر لا يحمل مثله من مؤهلات، فإنه عادة ما يحرص على مواجهته ومقاومته بصورة أو بأخرى، فتارة يهمله وتارة يأخذ عمله لصالح نفسه ويدعي أنه هو الذي فعل ذلك، وتارة يهمش دوره حتى إذا ما سئل عنه يقول: إنه لا دور له.

هذا الذي يحدث من مديرك المباشر ليس بجديد حقيقة على كثير من المدراء للأسف الشديد في عالمنا العربي؛ لأن بعض المدراء يرى لو أن موظفا عنده متميزا وأصبح متفوقا أو معلوما عنه لدى الإدارة العليا أنه على كفاءة وخبرة؛ فإنه يخشى أن يأخذ مكانه؛ ولذلك يحرص تلقائيا أن يكتب عنه التقارير التي تثبت أنه عادي وأنه ليس متميزا، وأنه لا يصلح لأن يتولى مواقع قيادية أو أوامر قيادية، وإنما هو الذي يصلح لذلك، وهو الخبير المتمرس الذي إن ترك هذا الموقع فسوف ينهدم على رأس أهله.

هذه -مع الأسف الشديد- نظرة توجد لدى بعض المدراء الذين ليس لديهم الإنصاف والعدل، وليس لديهم الإيمان الكامل بالله تعالى فيما يتعلق بقضية الأرزاق؛ لأنه يظن أنه بتهميش غيره وتشويه صورته وعدم إعطائه الفرصة المناسبة سيضمن لنفسه القرار والاستقرار والديمومة في مجاله، وبذلك يفعل ذلك من باب الحقد أو الحسد المبطن، هو لا يقول: أنا أحسد وأنا أحقد، وإنما هو يأتي بثمرة الحقد والحسد في تصرفاته، بدلا من أن يعطي كل ذي حق حقه، مع الأسف الشديد: أمر الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه لدى الكثير من الكفار عندما تتعامل معهم أو من خلالهم فإنهم يرفعون إلى الجهات العليا بأن هذا فعل الموظف الفلاني، ولا ينسب الأمر لنفسه، في حين أننا نجد في المقابل بعض المدراء العرب أو غيرهم يفعلون خلاف ذلك تماما، يحرص على أن يدفن كل من يعمل معه حتى لا يظهر في الصورة أحد سواه ظنا منه أنه بذلك يضمن بقاءه، ويضمن عدم استغناء جهة العمل عنه، ويضمن استمراره في العمل، ونسي أن كل شيء بقدر الله تعالى، وأن الله قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.

فالذي يحدث معك -أخي الكريم- أمر طبيعي خاصة في منطقتنا العربية أن تجد مثل هذه النوعيات، وهي طبعا قد لا تكون سمة غالبة، ولكنها موجودة وتوجد في كل بلد من بلاد العالم العربي نتيجة ضعف الإيمان وقلة الثقة في قضية الأرزاق، وسوء العلاقة مع الله، وقد تجد هذا الشخص نفسه يصلي ويصوم ويحج ويعتمر، ويقرأ القرآن، وقد يصلي إماما بالناس، ولكن عنده خلل في هذا الجانب الإيماني، يظن أنه إذا لم يفعل ذلك فإنه لن يكون في مكانه إذا لم يرتفع على أكتاف غيره وإذا لم يبد في الصورة وحده، فيظن أنه بذلك لن يضمن رزقه، وهذا - كما تعلم - خلل عقدي وأمر طبعا نشأنا عليه منذ نعومة أظفارنا في كثير من البيوت العربية، أننا نجد أن هذا الحرص ينتقل إلى الأبناء من خلال الآباء والأمهات.

إن هذا التصرف أتمنى أن تعتبره تصرفا طبيعيا جدا، ولكن لا تستسلم له، بمعنى -بارك الله فيك- أن تجتهد في تطوير نفسك، تقول: كيف؟

أقول لك: هذه مسئوليتك أنت، فأنت تعرف الوقت المناسب عندك؛ لأنك تخشى الآن حاليا لو أنك تقدمت لأي اختبار فقد لا توفق نتيجة عدم توظيف مهاراتك وعدم تطويرها وتنميتها.

أنت رجل تحمل شهادات في التخصص وصاحبك لا يحمل شهادات في التخصص، هذا مما يجعله أيضا لا يعرف قيمة عملك، وتقول بأنك -بارك الله- لأن تعطى فرصة لإظهار ما لديك من خبرات ومن كفاءات في مجال العمل؛ لأن المدير المباشر يحرص على تهميشك وعدم إعطائك الفرصة.

فأقول بارك الله فيك: عليك أن تجتهد بنفسك، وأن تحاول بعد نهاية الدوام الرسمي أن تقرأ مرة أخرى، وأن تدخل على المواقع التي تتكلم عن تنمية الموارد البشرية، وأن تراجع المراجع الكبرى التي تتعلق بهذا الأمر، وأن تطلع على ورش العمل، ولو كان هذا في مجال آخر بلا مقابل، ولو وجدت جهة أخرى تستقبلك في بقية الوقت حتى تستفيد منك فهذا نوع من التطوير، ولو أن تبحث حتى عن فتح مكتب صغير في تنمية الموارد بصفة بسيطة، ولو في داخل أسرتك على الأقل، أن تعطي دورة لزوجتك ولأولادك ولإخوانك؛ لأن الموارد البشرية لا تتعلق بالموظفين فقط، وإنما تنمية الموارد البشرية والقدرات الذاتية كل الناس في حاجة إليها، فتستطيع أن ترفع معدل إنتاج زوجتك في البيت وإخوانك وأخواتك ووالديك أيضا حتى في التعامل مع الناس وكيفية إدارة الحوار واستيعاب الطرف الآخر، هذا كله -أعتقد- ممكن.

فحاول -بارك الله فيك- في توظيف هذه الأعمال، حتى إذا ما قدر أنك انتقلت إلى عمل آخر ودخلت الاختبار ستوفق فيه بإذن الله، وأتمنى أن تبحث لك عن فرصة عمل أخرى تجد فيها نفسك، يعني: لا تربط نفسك على هذا الموقع، والتغيير طيب، فما دمت أنا شاعرا بنوع من الإحباط الشديد خاصة -كما ذكرت- أنه انعكس سلبا على نفسيتك وتشعر بأنك لم تأخذ فرصتك في توظيف علومك ومعارفك؛ فأنا أقول: لا مانع من البحث عن وظيفة أخرى شرط أن تجد فيها نفسك وأن تكون أيضا تكفيك، يعني: لا تبحث عن وظيفة أقل دخلا؛ لأنك الآن رجل وقطعا عندك زوجة وأولاد وعندك التزامات، والتغيير عادة ما تصحبه بعض العقبات، فادرس الموضوع دراسة جيدة متأنية، وابحث عن فرصة عمل في هدوء وصمت ولا تخبر بذلك أحدا، وتستطيع أن تذهب للمقابلة فإن وفقك الله -تبارك وتعالى- واختبرت في اختبار العمل الجديد الذي تقدمت له وكان أفضل من هذا العمل الذي أنت فيه؛ فأرى أن تتوكل على الله، وأن تقوم بتغيير موقعك؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل البركة في التغيير عموما، وطبعا ليس كل تغيير موفقا، ولكن في جميع الأحوال التغيير فيه خير، أي تغيير يظفي على نفسي نوعا من الاستقرار والسكينة، ونوعا من الراحة.

حتى تغيير أثاث المنزل، وفي الغرفة الواحدة لو أننا غيرنا مثلا الفرش من مكان لمكان أو غيرنا مثلا صبغ المنزل (الألوان) وغيرنا موقع الكراسي، تشعر أحيانا بنوع من الراحة نتيجة هذا التغيير البسيط.

فأتمنى -بارك الله فيك- أن تجتهد وأن تتوكل على الله -تبارك وتعالى-، ولا تخش من المستقبل أو المجازفة، وحاول أن تدخل هذا التحدي بهمة وعزيمة، وادع الله تعالى أن يوفقك، وأنا واثق أنك ستنجح -بإذن الله تعالى-، أو تصبر على الوضع الذي أنت فيه إذا لم تستطع أن تجد سبيلا آخر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات