السؤال
بسم الله، والصلاة على خير خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
إخوتنا في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقبل السرد لن أنسى أن أقول: بارك الله فيكم وجزاكم عنا والمسلمين خير الجزاء.
أنا فتاة أنعم الله عليها بالزواج من رجل مقيم في بلاد الغرب، ظل معي مدة شهر ثم سافر، مر عام الآن، تعلقت نفسي به وقلبي، أتظاهر بالسعادة والطمأنينة لمن هم حولي، لكنني أسقى مرارة الفراق والبعد كلما خلوت بنفسي، أنا أتعذب وأبكي أكثر مما أضحك، شوقي له يزداد يوما بعد يوم، لم أعد أقوى على الصبر، أنا محتاجة لوجوده.
أعتذر فدموعي وهيجان نفسي يمنعانني من التركيز، هو أيضا يتعذب للبعد، لكن ظروفه صعبة ويحتاج للدعاء مثلي، فأنا أستحي من الله أدعوه وأنا أعصيه، فأنا أمارس العادة السرية، ويزداد عذابي بذلك فنفسي تضعف لغلبة الشهوة.
ماذا أفعل، أأصبر على بعد زوجي، أم أخيره بين العيش معي والحياة في المهجر؟ هو لن يرفض طلبي، لكن لن يغفر لي، وأهله كذلك لأنني حرمته تحقيق أحلامه، ماذا أفعل؟ أنا خائفة مضطربة حزينة، كلما تذكرت سعة رحمة الله وعطفه ومغفرته استغفرت وبكيت، ودعوته ورجوته.
أفكاري مشتتة، نفسي ضعيفة، سرعان ما أعود للذنب كلما تذكرت أنه بعيد، ولن أراه قريبا، وقد يطول الأمر، ولا يمكنني الالتحاق به، وربما يبقى الحال على ما هو عليه (3) إلى (4) سنوات.
فارقني النوم، أجفاني ذبلت عيناي وظهرت آثار معصية الله في وجهي.
أسألكم بالله أدعو الله أن يفرج همي، واسألوا لي الدعاء عند الأخيار والصالحين.
أستودعكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يجمعك بزوجك عاجلا غير آجل، وأن يعينك على غض بصرك وتحصين فرجك، وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك فإنك فعلا امرأة واقعية لأن الذي تطلبينه إنما هو حقك، فالمرأة التي عاش زوجها شهرا واحدا وذاقت معه حلاوة الحياة الزوجية فإنها قطعا تتعلق به وتشتاق له خاصة إذا كانت امرأة فاضلة عفيفة دينة تخاف الله تبارك وتعالى وتتقيه؛ لأن شهرا واحدا من الحياة الزوجية ليس شيئا، خاصة وأنه قد مر عام وأنت في منتصف العمر وفي مرحلة الشباب، وحولك من المغريات ما الله به عليم، حياة صعبة وظروف صعبة وقاسية حقا، وهذا الأمر ليس بالأمر الهين على المرأة الصالحة؛ لأن المرأة الصالحة التي تخشى الله وتتقيه يكون تعلقها بزوجها أشد، لأنها ترى أنه لا يصلح لها أن تنظر إلى غيره ولا أن تتكلم مع أحد سواه، فتزداد لوعتها ويزداد ألمها ويزداد عذابها.
ولكن الحل -بارك الله فيك- ليس فيما تفعلينه أنت الآن، فإن ممارسة العادة السرية هو حل مؤقت ولكن مشكلته أنه -كما ذكرت- معصية لله -تبارك وتعالى-، نعم هو أقل من غيره والناس تلجأ إليه عادة للهروب من الحرام الأكبر وهو الزنا -والعياذ بالله رب العالمين- ولكنه يبقى أيضا في إطار المعصية، ولذلك أنا أقترح -بارك الله فيك- أن تقترحي على زوجك أن يزورك كل عام وأن يمكث معك -ما دام لا يستطيع أن يأخذك معه-، فإن ثلاث أو أربع سنوات هي فترة قطعا طويلة، وأنت لن تستطيعي أن تصبري خلال هذه الفترة بهذه القوة، فإنه إذا كان قد مر عليك الآن عام واحد وأنت تتعذبين، وتبكين أكثر مما تضحكين وشوقك يزداد إليه، وهيجان النفس أيضا يمنعك من التركيز، والذي قد مر عليك عام واحد، فقولي لي بربك: كيف تستطيعين أن تعيشي بقية هذه المدة؟
إذن أقترح -بارك الله فيك- أن تقترحي عليه أن يزورك كل عام ولو يأتي إجازة كما يفعل الناس؛ لأنه حتى في أوروبا -في الغرب- هناك إجازات سنوية تمنح للناس لجميع المقيمين على أرض هذه البلاد، وأنا أعرف إخوة كثر في هذه البلاد يأتون إلى أهلهم كل عام، نعم هو الآن يريد أن يستمر في العمل حتى يحصل على إقامة أو يحصل على الجنسية -وهذه ظروف العمل- ولكن هذا لا يمنع أن بمقدوره أن يأتي إليك ولو شهرا كل سنة حتى يطفئ هذه النار التي تشتعل فيه هو، وتشتعل فيك أيضا؛ لأن الوضع هناك ليس بأحسن من الوضع الذي أنت فيه، بل إن الوضع في الغرب أسوأ بكثير وكثير، فكلاكما يضحي؛ لأن الفتن هناك والمعاصي لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، أمور يشيب منها الوليد، وتدع الحليم حيران، وقد تذهب بعبادة العابدين واستقامة المستقيمين، وذلك نظرا لتفشي الفساد بصورة مذهلة، وصورة صعبة للغاية خاصة في فترة الصيف الذي يحدث فيه ما يحدث، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأنا أقول: بدلا من أن تطلبي منه أن يأتي ليعيش معك ويترك رحلته وهو لم يغفر لك، وأهله كذلك من أنك حرمتيه من تحقيق أحلامه، فقولي له: نتوسط في الأمر، تأتيني كل عام وتظل معي شهرا أو شهرين، ثم بعد ذلك تعود، وأنا سوف أتحمل من العام إلى العام، على اعتبار أنك كلما جاءت الفترة واشتددت عليك الرغبة كلما جاءك هو، يعني في عام تستريحين شهر أو شهرين، وبذلك سوف تتعودين.
وأنا أتمنى -بارك الله فيك- أن توقفي مسألة العادة السرية؛ لأنها ليس فيها خير، نعم هي أقل خطرا من أشياء أخرى، ولكن تبقى أيضا هي خطر في حد ذاتها؛ لأنه مع تكرار الأيام سوف تعتادين عليها، حتى إذا ما جاء زوجك بعد ذلك لن تشعري معه بنوع من الاستمتاع الطبيعي، وسوف تشعرين بأنك قد أدمنت هذه العادة المحرم، ولن تستمتعي مع زوجك في الفراش، ولن تهنئي معه بسعادة في حقك الشرعي، لماذا؟ لأنك قد تعودت هذه العادة السيئة، ولا يخفى عليك أن لها مخاطر عظيمة.
فبما أنك لا تريدين أن تحرميه الفرصة الموجودة الآن في السفر إلى بلاد المهجر، وفي نفس الوقت لا تستطيعين أن تذهبي إليه لأن ظروفه لا تسمح فاطلبي منه -بارك الله فيك- أن يأتيك ولو في كل عام شهرا يظل معك؛ لأن المسافة ما بين المغرب وأوروبا في الغالب مسألة بسيطة، والناس حتى يأتوا بالسيارات، فالأمر -إن شاء الله تعالى- لن يكون صعبا، ولو خمسة عشر يوما، المهم أن يأتيك - بارك الله فيك- لتعيشا معا حياة زوجية طبيعية ولتستمدي بعد الله تعالى العون والسند والقوة والثبات على الحق، ولكن أتمنى أن تغلقي باب هذه المعصية وأن تتوجهي إلى الله عز وجل بالدعاء أن يفرج همك، وأن يجمعك بزوجك عاجلا غير آجل وأن يشرح صدر زوجك لقبول فكرتك حتى وإن كنتما لن تدخرا شيئا؛ لأن بعض الأزواج يقول: لو جئت فإن السفر سوف يكلف الكثير وأنا الذي سوف أضيعه، حتى وإن كان سوف يضيعه، حتى وإن كان في أول الأمر ما يأتي به سوف يضيع في الرحلة فذلك خير من أن تضيعي أنت منه أو يضيع هو منك، فالمال أهون شيء وأحقر شيء بجوار المحافظة على الدين والعرض.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأتمنى أن تقنعيه بهذا الكلام وأن تتكلما معا فيه، وأن تبيني له أن الوضع صعب وحرج وأن إنفاقه للمال من أجل أن يأتي إليك، وأن يجلس معك أهون بكثير من هذا العذاب الذي أنت فيه.
أسأل الله أن يجمعك به على خير وأن يوفقك وإياه إلى كل خير، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.