موقف الولد من إصرار أمه على اختلاط زوجته بإخوانه، ما رأيكم؟

0 498

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

لا أود الإطالة عليكم رغم أن موضوعي شائك ويحتاج الكثير من التفصيل.

أنا شاب قد عقدت على فتاة ملتزمة، وهي طالبة علم، وكان شرطي أن أتزوج فتاة لا تريد الاختلاط، وخصوصا مع إخواني الرجال.

وقد وجدت الفتاة المناسبة -والحمد لله-، لكن أمي رافضة لفكرة عدم الاختلاط، فهي تعتقد أن الفتاة تريد أن تفصلني عن أهلي بهذا الأسلوب، وأنا قد أوضحت الأمر لأمي بالذات عدة مرات، لكنها مصرة على إحراجي.

فعندما تأتي الفتاة هي وأمها لزيارتنا تصر أمي على إدخال أخ من إخواني، وأي أحد آخر كي تثبت أنها هي المتحكمة، وأن كلمتها هي النافذة، وأنا مضطر للسكن في شقة مع أهلي ضمن نفس البناية، ولا أستطيع الاستئجار بسبب المصاريف، فأنا الآن حائر: كيف لا أغضب أمي، وكيف لا أحرج زوجتي وأتنازل عن مبدأ من مبادئ ديني؟

مع العلم أن جميع إخوتي متفهمون لرأيي.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يكرم والدتك بفهم الحق والعمل به، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك: فإنه فعلا من المؤسف حقا أن يرى الواحد منا أن أهله لا يعينونه على طاعة الله تعالى؛ لأن هذه أمور تحدث لدى الإنسان الحسرة والندامة عندما يمن الله عليه بالالتزام ولا يجد من أقرب الناس إليه عونا له على طاعة الله تعالى، ولكن وكما لا يخفى عليك أن هناك صراعا ما بين الأجيال يحدث نتيجة اختلاف الأفهام ومدى الالتزام بدين الله تعالى، فأمك غالبا من الأجيال القديمة التي لم تكن تعلم أن هذا من شرع الله -عز وجل-، وأصبحت ترى الآن أن هذا نوع من التشدد، وأنه نوع من التحجر، وأنه نوع من فقدان الثقة، وأنه نوع من الشك في أخلاق إخوانك، وتلبس الأمر ثيابا لا علاقة لها به لا من قريب ولا من بعيد، وهذا -مع الأسف الشديد- ليس في بيتك وحدك، وإنما في بيوت الكثير من المسلمين، نجد أن الأب والأم يصران على مخالفة الشرع ليس؛ لأنهما يكرهان الشرع، وإنما لأنهما لا يتصوران أن الشرع يأتي بمثل هذا، خاصة أن كل أب وكل أم يحسن الظن بأولاده، ويرى أن فكرة عدم الاختلاط هذه معناها الشك في أخلاق من رباهم ومن يعرف أخلاقهم، وهو قد يكون واهما وقد يكون أولاده من أفسق الناس، ولكنه لا يرى ذلك، فهذا موقف أقول: إنه موقف الغالبية العظمى من الأمهات اللواتي لم يأخذن قسطا وافرا من العلم الشرعي، ولم ينشأن في بيئات تحافظ على هذا النمط من السلوك الإسلامي المنضبط.

فأقول لك -بارك الله فيك-: توكل على الله وادخل بزوجتك، واسكن في الشقة مع أهلك ضمن نفس البناية، وتوكل على الله -تبارك وتعالى- ولا تجعل هذا عائقا بالنسبة لك أو تؤخر الزواج بسببه، وإنما استعن بالله -عز وجل- وخذ امرأتك معك، وضع ضوابط في الاحتكاك بأهلك، فإذا ما كان إخوانك خارج البيت فاجعل زوجتك تنزل لتجلس مع أمك طيلة النهار، وأول ما يأتي إخوانك فبحجة ظريفة تخرج وتصعد إلى شقتها، أو إذا اضطرت إلى أن تبقى فلتلزم الحجاب الشرعي الكامل كعادتها، ولتجتهدا -بارك الله فيكما- في ألا توجد بكثرة أمام إخوانك حتى لا يحدث هناك الاختلاط.

الأمر يحتاج منك إلى شيء من الحكمة ومن زوجتك كذلك؛ لأنك الآن إذا كنت مصرا على موقفك أنت وزوجتك فقطعا ستخسر أمك، ونحن لا نريد أن نقطع المودة والمحبة بيننا وبينها، وإنما نريد أن نكسبها إلى جانبنا، وذلك بحسن المعاملة والصبر، وإظهار إرضائها بين حين وآخر، هذا كفيل -إن شاء الله تعالى- بأن يجعل الأمور تمر على خير.

ثانيا: هناك أمر مهم جدا وهو سلاح الدعاء، فأين أنت من هذا السلاح؟! فتتوجه الآن أنت وزوجتك إلى الله تعالى، ومع الإلحاح على الله أن يشرح صدر أمك لقبول فكرة عدم الاختلاط، وثق وتأكد من أن هذا الدعاء والإلحاح على الله لن يذهب هباء منثورا أبدا؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: (أجيب دعوة الداع إذا دعان)، [البقرة:186]، وقال أيضا: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، [غافر:60]، فهذا الدعاء -بارك الله فيك- سوف يستجاب لأن الله تعالى وعد بذلك، وكان عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: (إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء).

فأتمنى أن تسير الأمور على ما هي عليه، وأن تتواصل في إقناع والدتك قدر الاستطاعة بمشروعية هذا الذي تفعله، وأن هذا الأمر لا دخل لزوجتك فيه وإنما هو حكم شرعي، وأنه بما أننا مسلمون فينبغي علينا أن نلتزم شرع الله تعالى، وحاول أن تبعد فكرة امرأتك عن الموضوع تماما حتى لا تضطر أمك أن تكره زوجتك ،وأن يحدث بينهما مشاكل أنت في غنى عنها، فقل لها: هذا شرع الله تعالى، ولا علاقة له بزوجتي، وأن زوجتي ليس عندها مانع من أن تجلس معك، ولكن هذا شرع الله الذي لا أريد أن أخالفه.

اجتهد أنت وزوجتك بالدعاء، وأروا الله من أنفسكم خيرا، ولو أن تصوم يوما خصيصا بنية الدعاء، وأن تقوم ليلة خصيصا بنية الدعاء بأن الله يشرح صدر أمك لقبول فكرة عدم الاختلاط؛ حتى لا توقع نفسك في حرج ولا توقع امرأتك أيضا في حرج ولا توقع إخوانك في المعصية، فهذا أمر مطلوب منك -بارك الله فيك-، فعليك بالدعوة وعليك بالدعاء، فاجتهد ولا تجعل هذا سببا في تأخير الزواج حتى تحل المشكلة، لأنها قد لا تحل الآن أو في القريب، وإنما قد تحتاج إلى بعض الوقت، فاجعل الأمور تمشي في مجاريها، واستعن بالله -عز وجل- وخذ زوجتك وأقم في شقتك، واجتهد أنت وزوجتك على أن تنسقا -كما ذكرت- نزولها إلى بيت والدتك ليكون عادة في الأوقات التي ليس فيها إخوانك، تجلس معها وتقوم على خدمتها أو رعايتها، وتفعل ما شاءت لها وتجتهد في إكرامها، وتعطيها أنت بعض الهدايا لتعطيها لأمك، وبعض الهدايا الخاصة تكرم بها أمك حتى تكسب قلبها ومحبتها، ثم إذا ما علمت بقرب قدوم إخوانك أو حضورهم مثلا من الخارج تستأذن بأنها تريد أن تذهب إلى شقتها لقضاء بعض الحاجات ثم لا تنزل بعد ذلك إلا في وجودك، حتى تكون سندا بالنسبة لزوجتك حتى لا تكون وحدها ولا تضعف أمام ضغط أمك أو إخوانك.

وأنا واثق ما دام إخوانك متفهمين لرأيك فمن الممكن أيضا أن يساعدوك على ذلك، فمن الممكن جدا أنه إذا جاءت زوجة أخي أن أترك مثلا الصالة وأن أدخل إحدى الغرف وأريح نفسي حتى أحافظ على مشاعر أخي، وأحافظ على مشاعر زوجة أخي، وحتى تحافظ على أمك من أن يحدث بينها وبين إخوانك خلاف، فأعتقد أنه من الممكن أن تتفاهم أنت وإخوانك على ذلك، -وإن شاء الله تعالى- ستكون المسألة سهلة والأمر -إن شاء الله تعالى- لن يكون بالصعوبة التي تتوقعها، وأر الله من نفسك خيرا، وألح على الله أنت وزوجتك بالدعاء، وأبشر بفرج من الله قريب، فعليك بالصبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)، وقال صلوات ربي وسلامه عليه: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال أيضا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، وأنا أوصيك بذلك، والحكمة والموعظة الحسنة، والهدايا لأمك، -وإن شاء الله تعالى- سوف تكون الأمور كلها في صالحك وفي صالح زوجتك بما يوافق شرع الله تعالى، وأبشر بفرج من الله قريب.

والله ولي التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات