السؤال
السلام عليكم..
كيف أستطيع تخطي مشكلة فراقي عن الإنسان الذي حلمت أني سأعيش معه ولن يفرقنا إلا الموت؟
كانت هناك مشاكل في الفترة الأخيرة قبل الزواج بشهر، وكنت عصبية جدا وهو كذلك، ولم يتدخل أهل الخير بالإصلاح، وإنما كان الجميع مشارك في تفريقنا عن بعض لأهدافهم، وكانت النهاية أن أطلب الطلاق مرغمة من دون إرادتي، ولكن خطيبي لم يحاول أن يتصل علي أو يسأل عني، نسي كل شيء بيننا عندما جاء والده إلى بيتنا ليتفاهم عن المال، فقد طلبت فرصة أخيرة منه ولكنه رفض، وقال لي: انتهى كل شيء، ورفض أن يكون متسامحا، وبعدها بثلاثة أيام قال: ابعثوا رجالا ليصلحوا بيننا. فرفض والدي، وقال: هو الذي يبعث وليس نحن، وأصبح الموضوع كله موضوع عناد وكرامات، وأنا خطيبي لم يحاول مجرد الاتصال رغم أنه أخبر صديقه بأنه يحبني، ولكن السلطة الأبوية كانت عليه قوية جدا مما أدى إلى طلاقي منه.
والآن أعاني من حالة اكتئاب، وخصوصا بمجرد طلاقي منه، فقد خطبت والدته عروسا أخرى له بمجرد الانفصال؛ مما سبب لي انهيارا أكثر وأكثر، أنا كانت نيتي طيبة، والإنسان يخطئء، ولكنهم لا يريدونني أن أخطئ، أنا بشر.
أفيدوني ماذا أفعل الآن بعد ما خسرت الشخص الذي أحبه؟ فأنا متعبة جدا، وأعاني من اختناق بقلبي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ التائبة إلى الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعوضك خيرا مما فقدت، وأن يكرمك بزوج صالح يكون عونا لك على طاعته ورضاه، وأن يربط على قلبك، وأن يذهب عنك الهم والحزن، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة – فإنه وكما لا يخفى عليك أن الخلاف إنما هو سبب الفشل والنزاع؛ ولذلك قال الله - تبارك وتعالى -: ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم))[الأنفال:46]، فما دب الخلاف في علاقة من العلاقات إلا وأدى إلى ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك المشكلة التي كانت بينكما ولم يتدخل أحد من أهل الخير لإصلاحها كانت هي السبب قطعا في هذا الانفصال بعد هذا العقد الذي استمر لمدة عام، وبعد هذا الحب الصادق، وبعد هذا الكلام الجميل الذي كنتما قد رسمتماه لأنفسكما، كل ذلك ذهب أدراج الرياح بسبب الخلاف في وجهات النظر، وإصرارك أنت على الطلاق، وإصراره هو أيضا كذلك، وعدم وجود المصلحين بينكما أدى إلى وقوع الطلاق بهذه الصورة المحزنة والتعنت الشديد من قبل الوالدين، ودخول العناد والكرامة فيما بين الأسرتين، كنت قطعا أنت الضحية لذلك، وخطيبك كان أيضا مثلك نتيجة التصلب الشديد من قبل أبيه عليه، كل ذلك أدى إلى حدوث الطلاق.
أقول لك - أختي الكريمة – نعم إن الطلاق أمر كئيب وحزين، وهو أبغض الحلال عند الله تبارك وتعالى والمرأة الصادقة المؤمنة لعلها تفضل كلمة الموت على كلمة الطلاق؛ لأن الطلاق شبح رهيب يصيب الناس فعلا ويدمر حياتهم، ولكن إذا كان قد قدره الله تبارك وتعالى فماذا يفعل الإنسان؟
نحن نعلم أنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله، وأنه لا يتحرك متحرك إلا بأمر الله، ولا يسكن ساكن إلا بأمر الله، والطلاق حتى وإن كان بغيضا، وحتى وإن كان اسمه ممقوتا، إلا أنه رحمة من رحمات الله تعالى، فحياة ليس فيها انسجام وليس فيها مودة وليس فيها تفاهم إنما هي عقوبة قبل عقوبات الآخرة، ولذلك جعل الله الطلاق حلا لكثير من المشكلات التي يصعب أو يستحيل علاجها خاصة إذا كانوا في المراحل الأولى؛ ولذلك رغم أنه نقمة إلا أنه في نفس الوقت نعمة، والآن أنت تشعرين بجرح كبير وتعب شديد نتيجة حدوث هذا، خاصة وأن أهل خطيبك قد بحثوا له عن عروس وأنهم بدءوا فعلا في إجراءات الزواج كأنه لم يكن بينك وبينه شيء.
أنا واثق يقينا بأنه يحبك وأنه قد خسرك فعلا؛ لأنه بعد هذه السنة الطويلة، والرحلة الطيبة الجميلة التي عشتماها معا، والحلم الطويل الذي رسمتماه معا أنه لن يفرق بينكما إلا الموت، لن يكون من السهل على أي رجل مهما كانت قسوته، ومهما كانت غلظة قلبه أن يترك أو يتخلص من هذه العواطف بسهولة، وأنا واثق أنه حتى وإن تزوج بمن هي أجمل منك وأحسن منك في كل شيء ستظلين أنت لك في قلبه مكانة، ولك في قلبه منزلة، وأنت كذلك أيضا لو تزوجت أحسن إنسان في العالم قطعا ستظل الذكريات الأولى في ذهنك إلى فترة طويلة من الزمن لأن هذه هي طبيعة الإنسان، ولكن أقول لك:
كما ذكرت في بداية كلامي: لا يقع في ملك الله إلا ما أرده الله، والله تبارك وتعالى يقول: ((فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا))[النساء:19]، فبما أنك الآن تكرهين الطلاق، ولكن قد يحدث هذا الطلاق بعد الزواج أو قد يحدث بعد الدخول، وقد يحدث بعد وجود الأطفال، فتطلقين وأولادك يصبحون أيتاما لأن أباهم قد تخلى عنهم، وتصبحين بعبئ وألم كبير لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى.
فلو أنك قارنت الآن – لا قدر الله – ما بين الطلاق بعد الزواج ووجود الأولاد، وما أنت فيه الآن لوجدت أن ما أنت فيه الآن رحمة، وما أنت فيه الآن نعمة؛ ولذلك أتمنى أن تقولي من قلبك: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها)؛ لأن هذا الكلام وإن كان بسيطا إلا أن معناه عظيم، فلعلك سمعت عن قصة أمنا أم سلمة – رضي الله تعالى عنها وأرضاها – فقد كان زوجها أبو سلمة استشهد – رضي الله تعالى عنه وأرضاه – أتاها النبي عليه الصلاة والسلام ليعزيها فقال لها: قولي: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها)، فقالت: والله لا أجد خيرا من أبي سلمة يا رسول الله؛ لأنها استكثرت أن تقول هذا الدعاء، لأنها كانت لا ترى أحدا خيرا من أبي سلمة لأنها ما رأت منه إلا الخير كل الخير، ولكن امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم قالت هذا الدعاء: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، قالت: فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فأنا أقول - بارك الله فيك -: الموقف الآن قد انتهى، والطلاق قد وقع، والفراق قد حدث وذهب كل واحد منكما إلى حال سبيله، فلا أتمنى أن تعيشي باكية تبكين على الأطلال، وتعيشين في الماضي الذي كان وانتهى، وإنما أريدك أن تفكري فيما أنت فيه اليوم، فإن هذا قدر الله وقد تحقق، وثقي وتأكدي من أنه لو كان لك فيه من نصيب والله ما طلقك، وأيضا لو أن لك فيه من نصيب سوف يرجع إليك، رغم وقوع الطلاق والفراق، ورغم أنه قد تقدم لامرأة أخرى ليخطبها، فوالله لو أن لك فيه من نصيب سوف يأتيك - بإذن الله تعالى – لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله، وهناك حالات كثيرة جدا في دنيا الناس أن يطلق الرجل المرأة وقد يظل بعيدا عنها لعشر سنوات ثم يرجع إليها مرة أخرى بقدر الله تعالى.
فإذن لو لك فيه من نصيب فسوف يأتيك، وإذا لم يكن لك فيه من نصيب قدره الله فلا يمكن أن يصل إليك بعد ذلك، فأنا أرى - بارك الله فيك – الآن أن تقولي هذا الدعاء الذي ذكرته لك وأكرره: (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها) ثم تتوجهين إلى الله بالدعاء أيضا: (اللهم ارزقني خيرا مما فقدت) وتجتهدي في الدعاء في ذلك، وتحاولي أن تخرجي من هذا الوضع النفسي الكئيب الذي أنت فيه الآن، وأن تعلمي أن هذا قدر الله فسلمي الأمر لله تعالى وقولي: (قدر الله وما شاء فعل)، وحاولي أن لا تعيشي في هذه الأجواء القديمة – أجواء الحزن والكآبة والشعور بألم الفراق -.
طبعا أنا أعلم أن الأمر عليك شديد أكثر منه؛ لأن المرأة هي التي تتضرر من الطلاق أكثر من الرجل، ولكن أيضا أعلم أنك مؤمنة وأنك صابرة ومحتسبة، وأن الله لن يتخلى عنك - بإذن الله تعالى - .
فأتمنى - بارك الله فيك – أن تعلمي أن هذا قدر الله فتقولي من أعماق قلبك: (قدر الله وما شاء فعل، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها)، ولا تحاولي أن تعيشي هذه الذكريات، وحاولي كل ما جاء ببالك أن تتخلصي منها، فإذا جاءتك هذه الأفكار وأنت جالسة فقومي، وإذا كنت واقفة فتحركي واخرجي من الغرفة واذهبي إلى أي مكان آخر غير الغرفة، اجلسي مع والديك، المهم أن تحاولي ألا تستسلمي لهذه الأفكار؛ لأن الاستسلام يؤدي بك إلى أمراض نفسية وإلى أمراض بدنية وإلى أمور لا تحمد عقباها، بل قد تفسد عليك صلاتك وتفسد عليك علاقتك مع الله تعالى، وقد تفقدين معها الشهية وتفقدين معها الحيوية؛ ولذلك كلما جاءتك هذه الأفكار لتبدأ تدخل على عقلك – وهي ستدخل قطعا – فحاولي أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم وتغيري الوضع الذي أنت عليه.
وكما ذكرت: إذا كنت نائمة فقومي، وإذا كنت قائمة فتحركي، واخرجي من الغرفة من مكان إلى مكان، قابلي أي أحد وتكلمي معه، حتى تغلقي هذا الملف كلما فتح، ولكن أهم شيء عليك الدعاء أن يرزقك الله تبارك وتعالى زوجا صالحا يكون عونا لك على طاعته ورضاه، واعلمي أنه ما دام قد تخلى عنك وحدث الطلاق فهو ليس من نصيبك، ولعل وجودك معه كان سيكون في مشاكل لا تحمد عقباها فعافاك الله تبارك وتعالى من ذلك، ونحن نسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يمن عليك بزوج أفضل منه، وأن يكرمك بالأمن والأمان والاستقرار، وأن يرزقك الرضا بما قدره الله وقضاه سبحانه وتعالى، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
ويمكنك أن تطلعي على هذه الاستشارات لعلاج الهموم والاكتئاب: ( 272641 - 265121 - 267206 - 265003 )
هذا وبالله التوفيق.