السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية أود أن أشكر الدكتور محمد عبد العليم على إرشادي إلى استخدام الزيروكسات للتغلب على الرهاب الاجتماعي، والآن عندي ثلاث استشارات جديدة:
1- بالنسبة للزيروكسات فأنا أستخدمه منذ سنة ونصف، وقد استفدت منه كثيرا ليس بنسبة 100% ولكن بنسبة جيدة، وكلما أحاول أن أتوقف عنه أحس بنفسي أنني أصبح عصبيا ومتوترا وأعود إليه مرة أخرى، مع العلم أني أتبع نفس طريقتك التي وصفتها لي، وهي تخفيض الجرعة شيئا فشيئا ولكن دون جدوى مع العلم أني أستخدم حبة واحدة في اليوم 20 ملغم، فما هو الحل؟
2- المشكلة الأخرى الجديدة أنني كثير التوتر هذه الأيام، وخصوصا في العمل، حيث أني مشرف في العمل، فأنا أحاسب العمال بشكل دقيق جدا، مع العلم أن أخطاءهم قديمة ومتكررة، ولكن هذه الأيام أصبحت لا أحب أن أرى أي نقص أو خطأ في العمل، ودائما أربط ما يحدث في العمل بالإخلاص في الصوم والصلاة، وأصبحت جاف التعامل مع العمال، ولا أعرف ما الذي جعلني أرجع هكذا؟
3- المشكلة الثالثة التي أعاني منها، هي ما أعاني منه من صراع داخلي في نفسي، حيث أني - والحمد لله - جامعي ومثقف، ومؤمن، أعمل كل الواجبات والمستحبات الدينية على أكمل وجه دون رياء أو سمعة، ولكن ما يختلج في داخلي من هواجس هي أني غير سعيد، ودائم الاضطراب الداخلي، ولا أشعر بالسعادة والطمأنينة، وأقول في نفسي ما فائدة هذه الطاعة وإجبار النفس عليها دون وجود آثارها النفسية علي وعلى راحتي؟ وما هو الفرق بيني وبين الشخص الذي يعمل ما يريد؟
الرجاء منكم الإجابة بشكل مفصل للفائدة، وجعله الله في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا لثقتك فيما تقدمه الشبكة الإسلامية، وكذلك لثقتك في شخصي الضعيف، ونسأل الله أن ينفع بنا وأن يتقبل منا جميعا.
بالنسبة للسؤال الأول الخاص بالعقار (زيروكسات Seroxat) فنحن حين نتحدث عن التحسن لا نعتقد أن هنالك نسبة تحسن مائة بالمائة، هذا غير موجود أبدا في الطب، حتى في الأمراض العضوية، ولكن الإنسان إذا وصل لدرجة معقولة من التحسن وأصبح متكيفا مع نفسه ومع محيطه ومع من حوله وأصبح لديه درجة من القبول لذاته أعتقد أن هذه درجة ممتازة جدا من التحسن ويجب أن يقتنع بها الإنسان.
فيما يخص استعمالك الزيروكسات فأنت - الحمد لله - تستعمل الدواء بالطريقة الصحيحة وللمدة الصحيحة، ولكن كما ذكرت حين تتوقف عن الدواء ترجع لك الأعراض مرة أخرى، هذا يدل أن لديك استعدادا فطريا، أي أن النواة القلقية لديك نستطيع أن نقول أنها قوية أو أنها صلبة التكوين، وهذا ليس عيبا إنما هي سمة من السمات التي قد نجدها في شخص ما، ومن الواضح أنها موجودة لديك.
الحل لهذا الأمر هو أن تستمر على الزيروكسات لفترة طويلة – لا مانع – فأنا أعرف من يستعمله لفترة عشر سنوات دون أي مشكلة لأنه عقار سليم وجيد جدا.
الأمر الآخر هو أن تركز أيضا على الحلول غير الدوائية، بمعنى أن تساند الدواء بحلول غير دوائية ومنها: إدارة الوقت بصورة صحيحة، وممارسة الرياضة، والتواصل الاجتماعي، والتفكير الإيجابي، والانضمام إلى الأعمال والجمعيات الخيرية – وهكذا - .
هذه كلها حقيقة محفزات علاجية إيجابية تدعم فعالية الدواء وربما تقصر المدة التي يحتاج فيها الإنسان إلى الدواء، أقول لك هذا وفي ذات الوقت أقول لك أنني حقيقة ليس لدي أي محاذير أو تحوطات حول استعمال الزيروكسات لأي مدة؛ ذلك لأني أرى أنه دواء سليم جدا، خاصة وأن الجرعة التي تستعملها أنت ليست بالكبيرة.
الموضوع الآخر وهو أنك أصبحت أكثر تدققا وأكثر شدة بالنسبة للعمال الذين تشرف عليهم، هذا أقول لك أنه أمر عظيم من ناحية، لأنك تريد أن تكون مخلصا في عملك، وقد ربطت الأمر بالصلاة والصوم، والمسلم دائما يجب أن يكون منضبطا ويجب أن يكون ملتزما، ولكن بالطبع يجب ألا ننسى الفضل بيننا، والإنسان إذا أعطاه الله سلطة على الآخرين يجب أن يكون حليما ويجب أن يكون كريما، بشرط ألا يخل بما اؤتمن عليه وهو أن يكون الناس في درجة معقولة من الانضباط، وعليه أن يتذكر دائما أن التسامح وأن هؤلاء العمال هم في الحقيقة ضعفاء، وأن من مكارم الأخلاق أن تحسن إليهم، وأنصحك أن تحاول أن تشجع وتثني على من يجيد عمله، فحاول أن تحفزه بالكلمة الطيبة وتشجعه وتثني عليه، هذا - إن شاء الله – سوف يجعل الآخرين ينضبطون انضباطا، وفي نفس الوقت أنت سوف تحس بالارتياح، لأنك على الأقل اعترفت للناس بجمائلهم، حتى وإن كانت تتعلق بالعمل الذي يدفع لهم من خلاله الأجر.
هذه هي الطريقة التي أراها مناسبة، ولا أرى أنك إنسان عجول أو إنسان حقود أو غير ذلك، لا، أنت تريد الانضباط وفي نفس الوقت تريد الخير للناس، فقط تذكر أنه من مكارم الأخلاق أن تحسن إلى هؤلاء وأن تكون متسامحا وأن تحفز من يقوم بعمله على أكمل وجه، هذا لا تنساه أبدا وفي رأيي سوف يساعدك كثيرا في حل هذه المشكلة.
أما بالنسبة لسؤالك الثالث وهو أنه بالرغم بما تقوم به فإنه لديك الصراع الداخلي النفسي والذي في رأيي أخذ الطابع الوسواسي، فأنت تقدم وأنت -الحمد لله - مواظب على عباداتك وبالرغم من ذلك لا ترى أن هنالك عائدا نفسيا إيجابيا عليك وهو الاستشعار بالسعادة.
السعادة بصفة عامة هي قضية نسبية جدا، والإنسان حقيقة إذا نام ليلته وأمن في سربه وعنده قوت يومه فهو قمة السعادة في حد ذاتها، فلا نعتقد أن السعادة هي أمر هلامي أو هي مدينة فاضلة كلها خيرات، لا ليس هذا، أعمال الطاعة في نفسها سعادة، التواصل مع الآخرين سعادة، وصلة الأرحام سعادة.
استذكر هذه الأمور – يا أخي – والإنسان أيضا قد يبتلى ببعض الصعوبات الداخلية، وأنت ربما تكون ابتليت بهذا التناقض الداخلي وهذه الوساوس؛ ولذا أصبحت لا تحس بأنك سعيد، فأرجو ألا تفتح للشيطان ثغرة حتى يدخل من خلالها ويجعلك تتقاعس في عباداتك، بل عليك أن ترفع من همتك وسل الله تعالى أن يفرج كربك وأن يجعلك تحس بالراحة والاستراحة والطمأنينة والاستقرار والأمن في كل أحوالك.
والنفس البشرية متقلبة – هذا لا شك فيه – فالإنسان يحس بالراحة مرة ومرة أخرى يحس بالغضب – وهكذا – وهذه عواطف إنسانية، ولكن أنا أراك حقيقة بصفة عامة أنك بخير، فقد استجبت للعلاج بصورة جيدة، وأنت أيضا تريد أن تلتزم بالضوابط والقيم الإنسانية الصحيحة خاصة في مجال العمل، أما بالنسبة لهذا التناقض ففي رأيي حاول أن تحقره ولا تهتم به وزد من طاعاتك واجعل همتك عالية، واجعل يدك دائما هي اليد العليا، وادع الله تعالى أن ينزل عليك السكينة وينزل عليك الرحمة وراحة الضمير، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الطاعات، وكل عام وأنتم بخير.
وبالله التوفيق.